IMLebanon

شغب العونيّين ينفجر إعتداءات على الجيــش.. «سقط القناع»

لم يمرّ الإعتصام الذي دعا اليه «التيار الوطني الحرّ» من دون وقوع احتكاكات مع الجيش الذي استقدمَ عناصر إضافية من أجل حماية السراي الحكومي، فبدَت هذه التظاهرة كأنّها عملية إلهاء للجيش الذي يدافع عن الحدود في وجه الإرهابيّين. أمّا رئيس الحكومة تمام سلام الذي لم يَنجرّ إلى لعبة العونيّين وآثر الصمت على رغم كلّ السهام «الشخصية والسياسية» التي أصابَته من خارج محيط السراي، فكان ولا يزال من أكثر المطالبين بإنتخاب رئيس الجمهورية المسيحي على عكس تكتل «التغيير والإصلاح» الذي يرمي المسؤولية على غيره عوض أن يُمارس واجباته الدستورية والوطنية.

صدقَ «التيار الوطني الحرّ» عندما أطلقَ العنان لأغنية «سقط القناع» في محيط السراي، إذ سقط القناع بالفِعل وتَكشّفَ الوجه الحقيقي للتحرّك الذي نادى به العماد ميشال عون.

الشراكة الحقيقية التي ينادي بها «التيار» تَمثّلت بمشاركة من يعتدي على الجيش في فعلته، أمّا حقوق المسيحيين فقد تُرجمت بوَضع العونيّين في وَجه المؤسسة العسكرية الأمّ التي يشكّل قائدها عباءة وطنية، ويحتلّ المنصب المسيحي الإداري الأوّل في الشرق.

فيما تظهر مهاجمة الحكومة والمطالبة بإسقاطها، مزيداً من التَشبّث العوني في السلطة، خصوصاً مع تأكيد وزراء تكتل «التغيير والإصلاح» أنهم لن يستقيلوا.

تخوّف من «شارع مقابل»

واكبَ اللبنانيون بحَذر التطورات أمس، خصوصاً أنّ عون كان هَدّد بالتصعيد ووعَد بمفاجآت، ما دفع الجيش والقوى الأمنية الى أخذ الاحتياطات وإقفال مداخل السراي الحكومي. وأوضحت معلومات أمنية لـ«الجمهورية» أنّ التشدّد الأمني سَببه «وصول العونيّين الى محيط السراي أثناء انعقاد جلسة مجلس الوزراء، وكادوا أن يحاصروا الوزراء.

وقد وردت تقارير أمنية بأنّ الشارع المقابل متوتّر، وهناك دعوات في بعض مناطق بيروت الغربية الى التحرّك لتحرير الوزراء والرئيس تمام سلام في حال تطوّر الوَضع». ولفتت المعلومات الى أنّ «الجيش أنقَذ لبنان من فتنة كبيرة، لأنّ هدف التظاهرة كان الإصطدام مع قوى الأمن الداخلي وترويج العونيّين أنّه صِدام مع درك سلام، واعتداء على المسيحيين لذلك ابتعدت قوى الأمن الداخلي الى الخلف وتقدم الجيش».

200 شاب فقط؟!

في وقتٍ كان من المتوقِّع أن يحشد «التيار الوطني الحرّ» آلاف المناصرين، بَدت الأمور واضحة، فلم يَنجَرّ الجيش الى الاستفزاز أو ردّات الفِعل، لأنّ المتظاهرين يبقون أبناءه حتّى لو أخطأوا التصرّف، خصوصاً أنّه أعلن مراراً أنه سيحميهم، في وقت تعهّدوا أن يكون اعتراضهم سلمياً وحضارياً.

لم يستطع «التيار الوطني الحر» حَشد أكثر من 200 شاب للتظاهر، ما دفعَ عدداً من المشاركين الى التململ والقول «شو بِنا، مبارح كنّا أحسَن، حزب زغير بيحشُد أكتَر»، فحاول الشباب تعويض النقص العددي بافتعال الشغب بأمر من الجنرال، فهم أعلنوا أنّ خطواتهم منسّقة معه، وهذا يعني أنه هو مَن أعطاهم أمر الشغب والإعتداء على الجيش.

قرابة الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، بدأ الشبّان يتوجّهون الى السراي، نزلوا من جهة التباريس سيراً، حاولوا الدخول من جهة كنيسة مار جرجس لكنّ الجيش تدخّل فوراً ومَنعهم.

بسرعة، غيّروا طريقهم وحاولوا اختراق الحاجز الأول في وسط بيروت حيث وَقع تدافع بسيط، ظنّ البعض أنه إنتهى. وقف العونيون بعض الوقت في المكان، بعدما تعطّلت مصالح الناس وأقفلت المحال التجاريّة. وبعد قليل عَلا الصراخ وركض الشبّان نحو شارع المصارف حيث احتكّوا مع الجيش، مُستخدمين عصيّ الأعلام وزجاجات المياه.

مشهد متناقِض

يختصر النائب العوني نبيل نقولا جانباً من المشهد المتناقض الذي يدفع الشباب الى مواجهة الجيش. فهو نزل الى مكان الاعتصام حيث تعَدّت درجات الحرارة الـ35، لكنّه بقي وراء السياج، في وقت كان الشبّان العونيون يعتدون على الجيش.

تأمّل نقولا المشهد متظلّلاً ببناية في شارع المصارف، تفصله 10 أمتار عن المتظاهرين الذين تُرِكوا لقدرهم، بعدما أدخلوا في لعبة لا يفهمونها. وبعد وقت قصير غادر، فلماذا يتدخّل؟ ومن يسأل عن شباب تحوّلوا وقوداً لمعارك المصالح الشخصيّة؟

في كل المراحل التاريخيّة والمفاصل المهمة، كان الجيش اللبناني حامي المؤسسات، وإلى جانب الشعب وليس ضده، فقائد الجيش فؤاد شهاب حَمى المؤسسات عام 1952 ورفض طلب الرئيس بشارة الخوري مواجهة التظاهرات إذا دعَت الحاجة، وكذلك فعل عام 1958 إثر الثورة التي، وعلى رغم عنفها، لم يتمّ التعرّض خلالها لمؤسسات الدولة ومرافقها.

وهنا السؤال البديهي: ماذا أراد العونيون في الأمس؟ وماذا لو سَلمنا جدلاً أنّ القوى الأمنية تراخَت واستطاعوا خَرق حواجزها، فهل كان هدفهم اقتحام السراي؟ ماذا سيفعلون إذا دخلوها؟ وما هو المكسب السياسي الذي سيحققونه من هذا الاقتحام؟

تعزيزات واعتداءات

حاول الجيش تطويق الإشكال على رغم أنّ عناصره كانوا يتعرّضون للضرب والإعتداء، لكنّ العونيّين استمرّوا في تحركاتهم مُوقِعين عدداً من الجرحى في صفوف الجيش، فيما أصيب بعض الشبّان. وتحوّلت الهتافات المناوئة للحكومة انتقاداً لدور الجيش والتذكير بحقبة الاحتلال السوري، فنادى بعضهم «حرية، سيادة، إستقلال».

تطوّر الوضع، ما دفعَ الجيش الى استقدام مزيد من التعزيزات لمَنع الاقتراب من السراي، فيما كان العونيون يركضون من شارع الى آخر لإلهاء الجيش، مستخدمين «البروباغندا» والصراخ والشتائم.

وعَلت بعض الأصوات العونية مطالبة بعدم الاعتداء على المؤسسة العسكرية، في اعتراف بأنهم هم مَن اعتدوا وليس العكس، في وقت كان نواب تكتل «التغيير والإصلاح» ووزراؤه ومسؤلووه، الذين شاركوا في التظاهرة، يُصعّدون ويدفعون الشباب الى المواجهة.

تقدّم الشبّان في اتجاه شارع المصارف الذي بَدا كأرض المعركة، فيما كانت أجواء مجلس الوزراء تشير الى أنّ لا حلّ قريباً، بل هناك مزيد من التأزم، ما اضطرّ الجيش الى استقدام عناصر إضافية ومَدّ الاسلاك الشائكة لوَقف الاعتداء، ودخل الصليب الأحمر لنقل جرحى الجيش وكأنّ المواجهة مع الإرهابيّين لا تكفيهم.

الجيش: لم نستخدم القوة

وقد أعلنت قيادة الجيش، في بيان، أنّه «تزامناً مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، وما رافَقها من حركات احتجاج في محيط السراي الحكومي والطرق المؤدّية إليه، اتخذت وحدات الجيش الإجراءات والتدابير الأمنية الكفيلة بمنع دخول المحتجّين إلى مبنى السراي خلال انعقاد الجلسة، والحفاظ على سلامة المتظاهرين أنفسهم.

وقد اجتاز بعض المحتجّين السياج الذي وضعته وحدات الجيش عبر التدافع واستخدام الشدّة مع قوى الجيش، ما أدّى إلى إصابة سبعة عسكريين بجروح مختلفة، تمّ نقلهم إلى المستشفى العسكري المركزي للمعالجة».

وأكدت القيادة أنها «لم تلجأ إلى استخدام القوة مع بعض المحتجّين إلّا بعد تعرّض هؤلاء للعسكريين واستخدام الشدّة معهم ومحاولتهم اجتياز السياج الذي وَضعته تلك القِوى»، مُجددة «التزامها الكامل حماية حرية التعبير السلميّ لجميع اللبنانيين بلا استثناء»، مؤكّدة في الوقت نفسه «عدم السماح لأيٍّ كان بالتعرّض للمؤسسات الدستورية والممتلكات العامة والخاصّة، والإضرار المباشر بمصالح المواطنين»، جازمة «اننا لن نُستدرَج إلى أيّ مواجهة مع أيّ فريق كان».

تكثفت الإتصالات لاحتواء الوضع، ونزل وزيرا التكتل الياس بو صعب وجبران باسيل الى مكان الاعتصام بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء، حيث أكّد بو صعب انّ «صلاحيّات رئيس الحكومة محفوظة، وتوافَقنا على عقد جلسة بعد عيد الفطر لمناقشة صلاحيات رئيس الجمهورية وتحديدها، ونحن شركاء في هذا الوطن ونرفض تهميشنا».

بدوره، حاول باسيل طمأنة الشباب وتصوير تحرّكهم على أنه انتصار، معتبراً «أننا حصلنا اليوم على ما نريد، لكنّ المعركة بدأت ولم تنته وليست متعلقة ببند أو بمكان أو زمان، ونحن أصحاب قرار».

قرابة الثالثة بعد الظهر، أُبلِغ العونيون أنّ الاعتصام انتهى في انتظار كلمة عون، لكن يجب التحضّر لمعارك مقبلة. فغادروا شارع المصارف تاركين وراءهم مزيداً من تعطيل مصالح المواطنين وتوتيراً للأجواء والمواجهة الطائفية ووَضع المسيحيين في وجه السنّة وإدخالهم الى صُلب النزاع السني- الشيعي.