في خطاب 14 شباط 2014، أطلق الرئيس سعد الحريري جملة – مفتاحا طمأنت بشكل أساسي ميشال عون. كانت الساحة الداخلية على مسافة أشهر قليلة من شغور محتّم أوحى رئيس «تيار المستقبل» بأنه يريد تجنّبه بأي وسيلة ممكنة. جزم الحريري بأن «تياره» لن يقبل إلا برئيس «يمثّل الإرادة الوطنية للمسيحيين».
بدا يومها أن عون أقرب من أي وقت إلى قصر بعبدا. كان لقاء روما قد فعل فعله في التقريب بين «الجَبَلين». «الجنرال» سمع الحريري شخصياً يتلو أمامه فعل الندامة «لأني تجاهلت التعاون معك بعد العودة من المنفى عام 2005». تحدّث «الشيخ» عن صفحة جديدة كُتب عملياً آخر فصولها يوم الاحتفال بعيد «الجنرال» في بيت الوسط في شباط المنصرم.
مناخ التقارب الثنائي ترافق يومها مع مزاج أميركي مستجدّ في الانفتاح على رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ومزاج سعودي انفتاحي تمثّل باللقاءات الودّية مع السفير السعودي وصلت الى حدّ استضافة الوزير جبران باسيل في مقرّ السفارة السعودية، والأهمّ تكريس عون التوجّه الرافض لرئيس ضعيف يدير الأزمات و «يُدار».
اليوم تتجاوز المناخات الايجابية بأشواط ما قدّر لعون في لحظة سياسية مارقة ان يلتقط ذبذباتها. الرئيس الحريري مرتاح جداً لكونه يسوّق لرئيس «يمثّل الإرادة الوطنية للمسيحيين» منطلقاً من معطى أنه ينتمي إلى «نادي المرشّحين الأربعة الأقوياء». الأميركي متحمّس وداعم، والفرنسي يثني والسعودي يبارك. و «حزب الله» يبارك «هذا عين وهذا عين».. لكن المرشّح هو سليمان فرنجية وليس ميشال عون.
المفارقة الكبرى أنه بقدر ما يسعى فرنجية الى طمأنة حليفه زعيم أكبر كتلة مسيحية، فإن الحريري يشمّر عن زنوده للتسويق لهذا الترشيح بأكثر من اتجاه، قافزاً فوق «الفيتو» البديهي من جانب حليفه سمير جعجع الحانق على تسوية أُعدّت في «الغرف المظلمة» والرافض لرئيس يستوحي برنامجه من روحية حكومات ربط النزاع!
«المصيبة الكبرى» في معراب ان «الحكيم» اكتشف «الخدعة» الحريرية لحظة الكشف عن اللقاء الباريسي فيما المياه كانت تسري تحت أرجل القواتيين منذ أشهر طويلة.
اللافت، أن ثمّة في صفوف «المستقبليين» من يجزم أن «الضوء الأخضر المسيحي يجب أن يصدر من جانب ميشال عون وليس بالضرورة هو وسمير جعجع معاً»!.
بمطلق الأحوال، بات الرافضون لترشيح فرنجية أمام معادلة يصدف أن جنبلاط أطلقها ورئيس «تيار المردة» تبنّاها: إما رئيس التسوية.. وإما المجهول!
وقد بدا لافتاً إصرار فرنجية على تبرير «عشاء كليمنصو» بردّ التحية كون النائب وليد جنبلاط هو أول من طرح اسمه للرئاسة، في ردّ مباشر على ميشال عون نفسه الذي استهجن اختيار الحريري رئيس الجمهورية. وستبقى الردود والردود المضادة قائمة بين الرجلين إلى أن يجلسا وجهاً لوجه في لقاء المصارحة الذي تأخّر، والذي سيتوّج لقاءات واتصالات فرنجية التي أجراها في الأيام الماضية.
وإذا كانت الرابية تستصعب التصديق بأن ترشيح الرئاسة ليس سنّي «المنشأ» بالتكافل والتضامن مع الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط، فإنها بالمقابل تجد أمامها ريتشارد مورفي آخر على شكل «بيك» يخيّر المسيحيين بين رئيس «ليس الأقوى بين بيئته» (مطلب ميشال عون الأساس).. وبين المجهول!
هذه وجهة نظر، أما الأخرى الأكثر «تمثيلاً» لرأي ميشال عون ومعاونيه فتقول الآتي: «مع مرور الوقت، تحسّنت الخيارات. من سنة وستة أشهر رشّح وليد جنبلاط هنري حلو، فما الذي دفعه اليوم لهذا الترشيح الذي هو من ضمن خطّنا السياسي سوى صمودنا. إذاً، الوقت لن يذهب بنا الى المجهول والأسوأ، بل الى المعلوم والأفضل. هناك مسار زمني وتطوّرات وأحداث، اليوم هم يحاولون الحدّ من خسائرهم ونحن لسنا مضطّرين للحدّ من أرباحنا». بكل بساطة يجزم هؤلاء: «الوقت لمصلحتنا.. والرئاسة مطوّلة»!
ليس من مبرّر لأن يأخذ حسم اسم فرنجية المزيد من الوقت سوى انتظار ميشال عون الردّ على «سلّته».. النقاش يبدأ من قانون الانتخاب مرورا بالحكومة الجديدة وتوزيع الحصص فيها وصولا الى قيادة الجيش، بعد ان حقق «خط» الثامن من آذار انتصارا لم يكن في الحسبان: المفاضلة بين «جنرال» و «بيك»!
وفيما تشتغل الاتصالات والوساطات لتأمين نصاب جلسة الرئيس التسووي بعد تذليل العقبات من أمام ترشيح هبط بـ «الباراشوت» على رؤوس حلفاء الطرفين، فإن فرنجية لا يزال ينتظر ردّ المسيحيين الرافضين لترشيحه وإذا كان عذرهم مسيحياً أو شخصانياً. في الحالة الأولى أعلن رضوخه واستجابته، في الحالة الثانية هدّد بالرفض وعدم القبول.
وهنا طُرحت تساؤلات عدّة عن ترجمات هذا الرفض. هل يمكن أن يقود الردّ على الرفض إلى نزول فرنجية والقوى الداعمة له الى جلسة انتخاب يقاطعها ميشال عون وسمير جعجع بعد أن يتمّ تطويع نواب «الكتائب» و «14 آذار»؟ أم سيُترجم الرفض بفك التحالف السياسي بين «الجنرال» و «البيك»؟ في المقلبين تأكيدات من نوع أن المراهنين على هذا المشهد خاسرون سلفاً.
على الهامش، ثمّة وقائع يرصدها أكثر من طرف نجمت حتى اليوم عن التسوية «غير الرسمية»:
– ترشيح ميشال عون للرئاسة صار خلف ظهر الجميع، وها هو فرنجية يتحدّث عن «الفرصة الأخيرة». إن لم تنجح التسوية سيذهب الجميع نحو الخيار من خارج «نادي الأقوياء»، لكنه بدوره احتمال صار فوق الرفوف.
– بعد أن أعلن البطريرك بشاره الراعي في تشرين الأول الماضي أن استمرار الشغور «هو انتحار ونقوم بقطع رأسنا بيدينا»، صارت الكنيسة في صلب الخيار التسووي وداعمة له، وإن كان «كادر» مجلس المطارنة لا يسير كلّه في خيار سليمان فرنجية. هذا ما يفسّر البيان المتوازن جدا الذي وازن بين ما وصفه بـ «الفرصة الجدية» وربط الانتخاب بـ «التبصّر بأهمية الموقع الرئاسي ودوره».
– يريد جنبلاط من ميشال عون وسمير جعجع أن يقتديا بتجربة كميل شمعون وبيار الجميل بترشيح سليمان فرنجية، فيعمدان بدورهما الى التوافق على ترشيح سليمان فرنجية الحفيد. لا أحد بوارد تقديم هذه «الخدمة» حتى اليوم إلا بشروط، وهي للتذكير ليست نفسها لدى الطرفين، لكنها بمطلق الأحوال ليست من نوع الشروط التي تفكَّك ألغامها بسهولة لتأمين جلوس أصغر المرشحين الموارنة الأقوياء على كرسيّ الرئاسة الأولى.