IMLebanon

“العونيّون” للحريري: لك شروطك… ولنا شروطنا

 

 

ليس تفصيلاً بسيطاً أن يقبل رئيس الجمهورية ميشال عون استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ويطلب منه تصريف الأعمال إلى حين تأليف حكومة جديدة، من دون أن يحدد موعداً لبدء الاستشارات النيابية الملزمة. معادلة “مختلة التوازن” لا يُفهم منها إلا أنّ الأزمة لا تزال في عنق الزجاجة.

 

صحيح أنّ الشارع تنفّس بعض الصعداء بعد قيام الحريري بتقديم حكومته “أضحية” على مذبح الاعتراضات الشعبية التي لم تخل من شواهد غريبة، مثيرة للشكوك، إلا أنّ خروج الناس من ساحات الاعتراض، ليس سوى خطوة أولى، قد يتمّ اجهاضها فيما لو قررت السلطة الاستمرار في سياسة ضرب الرأس بالحائط!

 

عملياً، يمكن اعتبار ما حصل خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة من تهدئة للنفوس، بمثابة اختبار أول لمدى قدرة السلطة استيعاب وفهم ظاهرة نزول مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع اعتراضاً على سياسات حكومتهم، مقابل قياس منسوب التسييس الذي تسلل إلى الحراك المطلبي و”فخّخ” أجندته ببنود مبرمجة على “الريموت كونترول”.

 

بمعنى آخر، يخضع مشهد الهتافات المتدرّجة والطرقات المقفلة والحواجز المشبوهة، لتدقيق من جانب قيادة “حزب الله” لمعرفة ما اذا كان الحراك قد أدى وظيفته العفوية من خلال “خلع” الحكومة، وصار بالإمكان رسم ملامح المرحلة المقبلة، الإصلاحية الطابع، أم أنّ الأجندة السياسية الموضوعة على وقع التحركات الشعبية ستطل برأسها من جديد لتنتقل إلى “الخطة ب” والمطالبة بالإطاحة برئاسة الجمهورية ومن ثم مجلس النواب؟

 

هواجس “حزب الله”

 

حتى اللحظة الأخيرة، كانت الهواجس مما تخبّئه ساحات المناداة بإسقاط النظام، تجتاح أذهان قياديي “حزب الله”، ومن تحوّل تلك المربعات، إلى مصنع كرات ثلج متدحرجة تبدأ رزمة مطالبها بإسقاط الحكومة، ولا تنتهي بإدراج “السلاح” على يافطات المربعات الساخنة. الأمر الذي دفع “الحزب” إلى استخدام أذنه الطرشاء والضغط على رئيس الحكومة كي يتمالك أعصابه ويمتنع عن خطّ ورقة استقالته، بانتظار هدوء العاصفة وانقشاع الرؤية.

 

ولكن في المقابل، ثمة من يقول إنّ مكابرة “حزب الله” هي التي حالت دون قبوله بمنطق تبرئة نبض الشارع المحترق على نار الأزمة المالية – الاقتصادية الآخذة في التدهور، حيث لم يهضم “الحزب” فكرة تقديم تنازلات في زمن الانتصارات، ما حال دون تخليه عن حكومة له فيها أغلبية وزارية عكست تغير موازين القوى الداخلية التي كرّسها قانون الانتخابات الجديد، خصوصاً وأنّ الاعتقاد السائد في الأروقة المغلقة لـ”الحزب” أنّ ثمة انقلاباً أبيض يتحضر في الشارع اللبناني يراد منه العودة بعقارب الساعة إلى ما قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية. وكان لا بدّ من التصدي له.

 

ولذا ترك “الحزب” برودة الأعصاب تتحكّم بردة فعله ومقاربته لما يجري على الطريق رغم الإنذارات الجديّة التي وجهها الناس مع إنطلاق شرارة الاعتراض.

 

المهم أنّ المشهد الداخلي بات مفتوحاً على خيارات جديدة، بفعل القواعد التي فرضتها أحداث الأيام الثلاثة عشر والتي ستحدد العوامل المؤثرة في المرحلة المقبلة. التحدي الأبرز في تلك المرحلة سيكون ماليّ الطابع، أفقد السلطة ترف الوقت كون الانهيار المالي يسابق الوقت ويدفع بالقيمين على البلاد إلى تجاوز حساسياتهم وخلافاتهم الفئوية.

 

حتى الآن، وحدها المواقف الدولية أعادت التذكير بأنّ الاستقرار الداخلي لا يزال محمياً بغطاء خارجي يحول دون تفلّت الوضع وجنوحه نحو الفوضى، حيث تعود الأولوية لبند التأليف الحكومي، إنطلاقاً من سؤاليْن مُكوّنيْن للمشهد اللبناني في حقبته الجديدة:

 

– هل سيعاد تكليف الحريري لرئاسة الحكومة وهو الذي كان يرأس حكومة رجمها الشارع ولفظها الناس قبل ثلاثة عشر يوماً؟

 

– هل سيعود رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى الحكومة وهو الذي صوّرته “الألوف المؤلفة” من المعترضين بصورة “شيطان” الحكومة وإبليسها؟

 

من المفارقات اللبنانية الغريبة أن يكون الجواب على السؤال الثاني هو الذي يقود الجواب على السؤال الأول. بمعنى إذا أردت أن تعرف ما في الحكومة، عليك أن تعرف ماذا سيحلّ بباسيل.

 

الصيغ الحكومية

 

هكذا تنشط الاتصالات الباحثة في الصيغ الحكومية الممكنة على وقع اعتبارين اثنين: رغبة الحريري في تأليف حكومة من غير النواب من أصحاب السير الذاتية المبهرة للنظر، وقد سارع إلى ملاقاته رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي أعلن تأييده “لحكومة جديدة من دون أحزاب ومن دون وجوه تقليدية، تلبية لمطالب الجمهور الكبير”. في المقابل، يعارض “حزب الله” تأليف حكومة من مكتومي القيد السياسي والذي قد يأخذون القرار الحكومي في لحظة سياسية مفصلية إلى مطارح مجهولة. أما على الضفّة العونية، فقد برز موقف لرئيس الجمهورية شدّد خلاله على أنه “ستكون للبنان حكومة نظيفة”. وفي هذا السياق يقول أحد النواب العونيين: “إنّنا نقوم في هذه المرحلة بدراسة التطورات وتقييمها لأخذ العبر والدروس قبل الولوج في المرحلة المقبلة، ولسنا مستعجلين أبداً على حسم خياراتنا الحكومية”.

 

يضيف: “الخطوط مفتوحة مع أكثر من شخصية سنيّة ترغب بتولي رئاسة الحكومة، والمشاورات جارية على أكثر من مستوى للتفاهم على خريطة الطريق لأننا لا نرغب بتكرار تجربة الحكومة المستقيلة، ومن يريد أصوات تكتلنا عليه الإلتزام بشروطنا، وإلا فلتؤلف الحكومة من دوننا”.