في البداية، كان المعارضون لانتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية كُثراً. محاولات عدة للتسوية حاول المعنيون التوصل إليها، لكنها جوبهت بسورٍ عظيم. عاد الجميع إلى المربع الأول، إلى الرابية، بعد أن اكتشفوا أن المصالح تقتضي ذلك. التسوية في مراحلها الأخيرة، والعونيون يستعدون ليوم النصر. يُنسقون مع حزب الله في التفاصيل ويستعدون لزيارة عين التينة فور إعلان سعد الحريري الترشيح رسمياً
فخامة الرئيس النائب العماد ميشال عون. «بازل» صفات الرجل الثمانيني اكتمل لدى التيار الوطني الحر، ولم يعد ينقص سوى تفوه النائب سعد الحريري بالكلمة المفتاح وتبني ترشيح قائده. كلّ طرقات ميشال عون تقود إلى قصر بعبدا.
هذه هي الخلاصة التي يخرج بها رجال القمصان البرتقالية. لا شيء جديداً في ذلك. فهم منذ أسابيع يعرفون أنّ الهدف الذي عُطلّت الدولة لأجله أصبح أقرب من ذي قبل. ساعات قليلة تفصل عن إعلان الحريري ترشيح عون «الذي تأجل من بعد ظهر الأربعاء حتى اليوم لتزامن يوم 19 تشرين الأول مع ذكرى اغتيال اللواء وسام الحسن»، فلم يرد الحريري «استفزاز» جمهور تيارّه أو ترك ثغرة تسمح للمستقبليين المعارضين لانتخاب عون باستغلال هذه النقطة.
الخطوة الأولى على جدول الأعمال العوني هي إذاً إعلان الحريري للترشيح. أما الخطوة الثانية فستكون «زيارة عون لعين التينة ولقاءه (رئيس مجلس النواب) نبيه برّي». يأتي ذلك في إطار الزيارات العديدة التي سيقوم بها عون للقيادات الرسمية والتي سيبدأها اليوم بزيارة لبيت الوسط. العماد الذي يستعد ليشلح عليه وشاح الجمهورية فوق البذلة الرسمية، يصل إلى الرئاسة «موقّعاً» (ولو معنوياً) على ثلاث أوراق: تفاهم مار مخايل، إعلان النيات مع القوات اللبنانية والتفاهم مع المستقبل. لذلك يبدو من الضروري «الاستماع مباشرةً إلى رئيس المجلس وطمأنته». لن تتضمن الزيارة اعتذاراً عونياً، أو على الأقل، تراجعاً عن توصيف المجلس النيابي بأنه لاشرعي «فالجنرال أوضح هذه النقطة خلال مقابلته الأخيرة مع جان عزيز، وقبل ذلك زار بري وتعاتبا وانتهى الموضوع».
بين ألغام عين التينة يسير التيار الوطني الحر. التأني أكثر من ضروري حتى تكتمل آخر الفصول، «سنستغل، كلّ الفرص، من زيارة عون لعين التينة والمسعى الذي من المُفترض أن يقوم به حزب الله، لإنجاح التسوية». فهناك وعي عوني ناتج من واقعية سياسية بأنه «لا يُمكننا ولا نريد إلغاء أحد. برّي شخص موجود وقوي داخل طائفته ولديه شرعيته التي حصل عليها من قوته الذاتية ومن تحالفه مع حزب الله ومجتمعه». بعد أن «كنا نعتقد أن التحالف السياسي والانتماء إلى الفريق الواحد منذ الـ2006 وحتى اليوم سيسهّل أمورنا مع بري، كان هو بالمرصاد للترشيح. لم يكن ذلك بحساباتنا». ماذا إذا رفض استقبال عون كما اعتذر عن الموعد الذي كان قد حدّده للحريري، مُكلفاً الوزير علي حسن خليل لقاءه؟ «ربما كانت مآخذه على الحريري، ولكن ليس على عون. التقدير هو أن لا يرفض استقبالنا».
جرّات عديدة كسرها العونيون وهم يتخطون المراحل للعودة إلى «قصر الشعب»، يصدف (؟) أن تكون جميعها ضمن الفريق الواحد. بعد التباعد الذي بات أقرب إلى خصام سياسي بين تياري المردة والوطني الحر، فُضّ الوئام بين الرابية وعين التينة. خرج الخلاف من إطار الصف الأول والثاني والثالث، ولم يعد محصوراً بالمجالس السياسية، بل تعداه إلى المستوى الشعبي. الجمهوران لا يُهادن أحدهما الآخر. تصفح سريع لوسائل التواصل الاجتماعي يكشف ذلك. اشتباك عنوانه سياسي، ولكن باطنه نبش في قبور الحرب الأهلية وترسباتها الطائفية، وحديث عن حقوق مهدورة وشعب محروم وميثاقية غير مؤمّنة. لم يعد من مجال لهوادة بين الاثنين. والمشكلة التي تواجه القيادة العونية الحزبية هي أنّ «من الصعب على الجمهور العوني التفريق بين حركة أمل وحزب الله». هذا الجمهور «يعتبر أن الأمور تحدث على قاعدة كوني فتكون»، من دون أن يُدرك أنّ «عملياً لحزب الله اعتبارات خاصة». تقول مصادر التيار الوطني الحر «حزب الله لنا وللآخرين. لكل واحد من الحلفاء حصة في مواقفه». لماذا لا تُوضَح هذه الفكرة للجمهور؟ «نقوم بذلك وسنُكثف هذا الأمر في الإطلالات الإعلامية».
يحلو لـ«الخبثاء» سياسياً الذين يتحينون اللحظة المناسبة للتفريق بين الرابية وحارة حريك تسويق فكرة أنّ قيادة التيار الوطني الحر تُحمل حزب الله مسؤولية موقفي بري والنائب سليمان فرنجية. حتى أنها غضّت الطرف طويلاً عن تهجمات حليفها الجديد سمير جعجع على حزب الله واتهامه بتعطيل انتخاب رئيس جديد، كذلك فإنها تتلذذ بالضغط المعنوي الذي يُمارَس على حزب الله. من هذه النقطة الأخيرة يبدأ رد المصادر العونية التي تُسارع إلى التأكيد أنّ «الجنرال بعث برسالة إلى جعجع عبر موفده النائب إبراهيم كنعان يطلب منه وقف الهجوم على حزب الله أو تخفيفه. لا يُمكننا أن نطلب من القوات أن تُغرم بحزب الله، ولكن نحن أيضاً لا يُمكننا أن نقبل بالهجوم عليه». وفي الوقت نفسه لا تريد الرابية أن «تخسر تحالفها مع القوات».
ثلاثة عوامل دفعت إلى تعبيد طريق عون إلى بعبدا بالورود. الأول هو «التحالف الثابت مع حزب الله والتزامه معنا». الثاني هو «دعم سمير جعجع للترشيح». أما السبب الأخير، فهو «تبني الرئيس سعد الحريري لهذا الخيار. قرارات لبنانية من دون تدخل خارجي». ولكن لا بُدّ من التشديد على أنه «وصلنا إلى هنا بفضل حزب الله. إذا لم نعترف بذلك نكون ناكرين للجميل». ولكن «ما فينا نستغلو لآخر رمق، بدنا نتفهم ظروف حزب الله»، وتقصد المصادر بكلامها عدم تحميل الحزب مسؤولية موقف برّي. أما بالنسبة إلى الحليف السابق فرنجية، فـ«ماشي مع برّي. خلص ما رح يقدر يعمل رئيس». بين التيارين «جرح كبير ولكن لا يوجد جرح لا يبرد. القصة بحاجة لوقت».
قبل أيام انتشر تسجيل صوتي على «الواتساب» للنائب زياد أسود يقول فيه: «مرحبا، بعتقد صار فيكم تحضّروا صور ويافطات للجنرال تحطّوا عليها فخامة الرئيس». الأدرينالين في أعلى مستوياته عونياً «أجواء التفاؤل عالية، ولكن لن نسْكَر إلا بعد أن تُعقد الجلسة ويُنتخب عون». التحضيرات الاحتفالية لم تبدأ بعد، «بمعنى أنه لا يوجد شيء رسمي مُنظم». ولكن الشباب «في فرح عظيم».