IMLebanon

العونيون: ماذا يفعل «المقاول» في وزارة الدفاع؟

في المبدأ، لم يصنّف العونيون يوما سمير مقبل في خانة الخصم السياسي المباشر. وزير الدفاع هو واحد من «ثلاثية» ميشال سليمان في حكومة تمام سلام، وعلى هذا الاساس كان يتمّ التعاطي معه.

لكن من اللحظة التي بدا فيها متأهّبا للتوقيع على قرار التمديد الثاني لقائد الجيش، بعد ان سبق ومدّد خدمة الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع وأكمل في مسار التمديد لمدير المخابرات، صار هدفا مشروعا لميشال عون الى حد المجاهرة بـ «المحاسبة الآتية حتما»!

ولأن المعركة مفتوحة، لا يمكن لـ «الجيرة» في الطائرة الخاصة التي أقلّت الوفد الوزاري الى السعودية ان تغيّر في المكتوب. وجود سمير مقبل وجبران باسيل في مقصورة واحدة والدردشات العابرة في مجلس الوزراء وفي المناسبات الاجتماعية شيء، وشالحرب المعلنة على «ملياردير اليرزة» شيء لا يُستفزّ العونيون من وزير للدفاع يبدو كمن يسمّع درسه حين يعاير عون بأنه يريد أن يأتي بصهره الى قيادة الجيش، أولا لأن شامل روكز، برأيهم، إبن المؤسسة العسكرية قبل أي شيء آخر، وثانيا لان ذاكرة مقبل تخونه حين يتناسى تسويقه في السابق لأصهرته كمرشّحين على لوائح عون وعدم تجاوب الاخير مع هذه التمنّيات!

لا يهمّ في أجندة «البرتقاليين» إذا كان مقبل يجتهد من ذاته ليُبقي قائد الجيش وضباطا في مواقعهم أو يأتمر بتوجّهات ميشال سليمان وسعد الحريري؛ الأهم ان «المقاول» ليس صاحب الصلاحية في تكريس التمديد وضرب التراتبية العسكرية، فيما تغاضى، كما قال عون في 17 شباط الماضي، عن «ممارسات في المؤسسة العسكرية».

في جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي، طلب الرئيس تمام سلام من مقبل عدم الردّ على «لائحة التناقضات» في كلام وزير الدفاع بشأن عرسال التي أوردها الوزير الياس بو صعب، طالبا منه تأجيل «المرافعة» الى يوم آخر.

في جولة النقاش نفسها كان على وزير التربية ان يذكّر مقبل الذي لا يرى شغورا في المواقع العسكرية ان هناك ثلاثة مواقع ممدّد لها في المجلس العسكري وثلاثة مواقع أخرى، بينها أرفع موقع أرثوذكسي في المؤسسة العسكرية (المفتش العام)، شاغرة.. في جلسة الخميس بدا مقبل أيضا كمن يتلو بياناً «لا احمل اسماء للتعيين»!

ولن يزيد الطين بلّة سوى ذهول راصدي مقبل بعدم صدور اي موقف من جانبه حيال حادثتين: طلب الوزير أشرف ريفي إحالة المستشارة المدنية في المحكمة العسكرية القاضية ليلى رعيدي الى التفتيش، مع العلم ان القضاء العسكري هو تحت وصاية وزير الدفاع، وكلام النائب احمد فتفت «الاستفزازي» عن دخول ضابط برتبة مقدم الى غرفة المذاكرة في قضية ميشال سماحة وإعطائه هاتفه الى الضباط الأربعة ليتلقوا التعليمات، في اتهام صريح للقضاء العسكري بالفساد والتبعية!

في آب 2014 صُدِم العونيون، بعد نكسة عرسال في الثاني من آب، بخطاب خارج عن المألوف لوزير الدفاع كان أقرب، برأيهم، الى الاستخفاف بالبزّة المرقّطة. قال ما مفاده: «معليه اذا وقع شهداء للجيش٬ واحد أو اثنان… شو فيها؟!».

في تلك اللحظة استحضرت عهود وزراء الدفاع السابقين. طبعا لم يكن هؤلاء من أصحاب الاختصاص، باستثناء العماد اسكندر غانم، ولا من أصحاب النظريات العسكرية التي تدرّس في كبرى جامعات العالم، لكن أحدا منهم لم يقدّم مقاربة دفاعية موزونة لحدث عسكري مفصلي كما فعل رجل الاعمال!

واليرزة ربما شاهدة على نماذج متفاوتة في شخصيات من عيّنوا في حقيبة الدفاع، لكن العونيين فجعوا يومها بوزير للدفاع لا يحسن «الدفاع» عن الجيش وشهدائه. همّ يعتبرون ان «البيزنس مان» يكمّل على المنوال نفسه حين يوقّع على قرارات تمعِن بالاستخفاف بضباط الجيش ومؤهلاتهم وكفاءتهم وينكّل بابسط القواعد القانونية التي تسيّر المؤسسة العسكرية!

وفق نص المادتين 15 و17 من تنظيم وزارة الدفاع يتبيّن بأن مهام وزير الدفاع، العضو في المجلس الاعلى للدفاع، لا تتضمّن المشاركة في صناعة القرار العسكري ولا سلطة له على مؤسّسات الوزارة الا بالمعنى الاداري الرقابي. لكن كل المسألة تكمن في الشخصية وفرض الحضور والحيثية، يقول خصومه، «هنا نفهم لماذا يزور مقبل قائد الجيش في مكتبه وليس العكس، ولماذا حوّل نائب رئيس مجلس الوزراء مطرانية الروم الارثوذكس الى حائط مبكى دفاعا عن حقوق الطائفة التي تتعرّض لـ «التهويل والتهديد» عبر استهدافه، وارتباكه خلال مداخلاته في مجلس الوزراء!

يتفهّم البرتقاليون جيدا لماذا نائب رئيس مجلس الوزراء ليس نجما على الشاشات ينظّر في شؤون لبنان والمنطقة، او من «المداومين» على الجبهات لرفع معنويات العسكر والضباط في أقسى مواجهة يخوضها الجيش اليوم. «فصاحته» اللغوية قد تفضحه وجوّ العسكر لا يشبه بشيء أجواء «البيزنس». هذا مسلّم به، لكن ما يستحيل التسليم به، برأيهم، مخالفته القانون بمثل سهولة صعوده الى طائرة خاصة لمتابعة صفقة عمل خاصة به في الخارج!

يروي العارفون ان سمير مقبل كان اول مهندس يعيّن في بلدية الشويفات٬ فحين تخرّج ابن الشويفات من الجامعة الاميركية قام الأمير مجيد ارسلان بتوظيفه في البلدية. لكن بعد أشهر قليلة خرج من البلدية ولم يعد.

ترك المهندس بلدته لمدة 44 سنة ليعود اليها لاحقا ثريا كبيرا من أصحاب المليارات. أول دخوله السلطة حقيبة للبيئة في عهد الرئيس الياس الهراوي في حكومة الرئيس رفيق الحريري عام 1995. جاء ذلك بعد مساهمته في ترميم قصر بعبدا.

الصيرفي ورجل الأعمال من الدرجة الأولى هو رئيس ومدير عام شركتي «سمير مقبل وشركاه – مقاولون» و«سمير مقبل وشركاه ـ العقارية»، ومدير عام شركة «مقبل انترناشيونال غروب». بالتأكيد هو واحد من أكبر أغنياء الطائفة الارثوذكسية. بإصرار من الرئيس ميشال سليمان تّم تثبيته في حكومتي نجيب ميقاتي وتمام سلام نائبا لرئيس الحكومة ووزيرا للدفاع.

العونيون لهم وجهة نظرهم بالموضوع «تواجد مقبل داخل الحكومة مدعوما من سليمان، كان أحد أوجه التنسيق والتعاون بينهما في ما يخصّ ملف تسليح الجيش على اعتبار ان صهره مكرم صفا وشقيقه اسكندر هما من أكبر تجّار السلاح!».

وبمثل هذا الالتباس الذي رافق دخوله عهد سليمان، يشير العونيون الى «صدفة» توزيره اول وزير بيئة في الجمهورية اللبنانية في حكومة رفيق الحريري على أنقاض فضيحة اتهامه باستقدام النفايات السامة الى لبنان، والتي استدعت آنذاك عقد النائب سمير عون مؤتمرا صحافيا اتّهمه فيه بالتورّط بقضية لا تخضع لمرور الزمن، فيما عمد مقبل نفسه الى عقد أكثر من مؤتمر لتبرير وتوضيح هذا الامر.

وفيما لم يجد العونيون بعد جوابا على «ماذا يفعل المقاول الثري في وزارة الدفاع؟»، تجزم أوساط الرابية ان سحب الثقة من وزير كوسيلة ضغط يتطلّب آلية دستورية صعبة، لكن في لحظة سياسية قد يكون بالامكان تنفيذها، مع التسليم بأنه «سمِع واهتمّ» لكون رئيس أكبر كتلة مسيحية يطالبه بالاستقالة.