على رغم عدم اقتناعي بكل تبريرات العماد ميشال عون في تقديم اقتراحاته الاربعة للخروج من مأزق الشغور الرئاسي، ومحاولته إقناعنا بأنها لا تتطلب تعديلات دستورية، على رغم الرفض العارم اصلا لكل تعديل يصب في مصلحة فرد، أكان عون نفسه او اي شخص آخر من حلفائه او خصومه، لان التعديل يتطلب مصلحة وطنية عليا، لا مصالح فردية مهما كان هدف صاحبها ساميا في رأيه، ويحقق منفعة وطنية عليا لاحقة من وجهة نظره.
لكن الحقيقة ان ما يقوله العماد عون يسكن وجدان كل مسيحي لبناني، لناحية إصراره على المشاركة الحقيقية في صنع القرار، بعدما تحول المسيحيون، من ام الصبي، وبناة هذه الدولة التي وضع اسسها البطريرك الياس الحويك، وصنع استقلالها الثاني البطريرك نصرالله بطرس صفير، الى اهل ذمة يتقاسم حصصهم المسلمون السنة والشيعة على السواء، ويفيد زعيم الدروز من كل مناسبة لانتقادهم، بل لإهانتهم احيانا.
ما طالب به العماد عون، وما يطالب به باستمرار، صحيح تماما. لكن مطالبته تصبح اكثر فاعلية اذا خرج شخصيا من حلبة التنافس، فلا يتمسك بكرسي رئاسي، او بمقعد لصهر او ابن شقيق او شقيقة، بل ترك الامور تمضي في مسارها الطبيعي، ليبلغ الناس اقتناعا تاما بانهم يريدونه رئيسا، ويطلبون من ينتمي اليه، عائلة وتيارا، ليعملوا على الاصلاح والتغيير في داخل المؤسسات.
واذا كان المسلمون اللبنانيون، يسعون حقا الى المحافظة على البلد، بما هو رسالة تنوع وتعدد، للمسيحيين فيه كرامتهم ودورهم الفاعل، فعليهم تجنب الافعال التي تحول شركاءهم ديكورا يتغنون به في الخارج، بل ان يضمنوا حقوقهم التي يمنحهم اياها القانون والدستور، فيلبوا مضامين مطالب عون، لا لمصلحته الشخصية، بل لمصلحة المسيحيين عموما.
وعلى المسيحيين، في المقابل، الا يعيشوا عقدة ذنب، بانهم الاضعف، فقوة الآخرين لا تأتي من قدراتهم الذاتية، بل من القوتين الاقليميتين الداعمتين لهم. وبالتالي فان غياب الدعم يجعل قدرتهم على الحراك والفاعلية تتراجع الى حدها الادنى. وقوة المسيحيين تكمن في تمسكهم بالدستور، ومنع الآخرين من تجاوز القوانين، لا المبادرة الى المشاركة في تجاوزها، والمضي في التلاعب بها. فالرئاسة الاولى ولايتها ست سنوات غير قابلة للتمديد او التجديد، وشروط الوصول الى قصر بعبدا معلومة من الجميع، وكل تجاوز لها هو مساهمة في إضعاف دولة القانون. وعلى المسيحيين رفض ذلك اولا، والا يسمحوا للآخرين بالتلاعب في امر يخصهم، بل ان يقولوا كلمة حق، ويتفقوا في ما بينهم، فيضعوا الآخرين امام مسؤولياتهم.
ربما تكون الحوارات القائمة انجح من الجولات، اذا ما كانت تمضي في طريقها الصحيح، وعلى الاقوياء ان يقتنعوا بانهم ام الصبي، وان اتفاقهم يصنع رئيسا، فيبادروا سريعا اليه لإنقاذ الجمهورية.