Site icon IMLebanon

معركة إسقاط عون: إسقاط العقيدة لا إسقاط العهد

 

لا المسيحيون في هذا الوارد… ولا «المستقبل» راغب في تكريس إنشطار عمودي

 

    انخراط «القوات» في معارضة العهد لا يعني انها ستقبل بأن تكون جزءاً من مشروع اسقاطه

 

تتعثّر الى الآن محاولات تشكيل جبهة موحّدة معارضة للعهد ترمي الى إسقاطه. الأسباب متنوّعة منها ما هو مرتبط بطبيعة تركيبة الحكم والعلاقة السببية التي لا فكاك لها بين السياسة والطائفة، ومنها ما هو متعلّق بالمدى الذي قد تذهب اليه القوى المعارضة، مع إدراكها في الوقت عينه أن مناوأة العهد شيء والسعي الى إسقاطه شيء آخر تتداخل فيه عوامل داخلية شديدة الحساسية، وخارجية كذلك.

 

كان وليد جنبلاط أول من أطلق تلك الفكرة، إثر دعوته الرئيس ميشال عون الى التنحّي. لكنها لم تلق بعد الصدى الذي كان يأمله الزعيم الدرزي مسيحيا وسنيا، وخصوصا لدى تيار المستقبل والقوات اللبنانية. هو كان واضحا في الافصاح عن رغبته بتشكيل جبهة معارضة متعددة المشارب سياسيا ومذهبيا ليتفادى ما حصل معه يوم أطلق الحرب ضد إميل لحود، وهي ما لبثت ان سقطت على اعتاب بكركي.

 

1- فـ «المستقبل» الذي ينشغل هذه الأيام بإعادة ترتيب بيته الداخلي، تعصف به أنواء كثيرة، لعل أشدها مضاضة تلك العائدة الى قريبين سابقين إنبروا في الآونة الأخيرة الى تشكيل حالات معارضة منظّمة، أحدها وربما أشدّها تنظيما يرعاها سياسيا وإعلاميا نهاد المشنوق، في موازاة إطلالة بهاء الحريري عشية ذكرى والده، مكرّسا العلاقة السيئة داخل العائلة، ومشهرا كذلك التباين السياسي الجذري والخلاف العميق بين وريث سياسي للحريرية وطامح بحمل لوائها وفي ذهنه ان غرضه من ذلك إنقاذها مما وصلت اليه.

 

ولم يسعف خطاب 14 شباط وشد العصب الذي إعتمده سعد الحريري من باب التصويب على التيار الوطني الحر، كقوة مسيحية وليس فقط سياسية، قيادة «المستقبل» في حرف الانتباه عن المعارضة التي يلقاها زعيمها في بيئته، ربما والأصح طالما لا يزال يحيّد حزب الله أو يحنّ الى ما يشبه التحالف الرباعي (2005). هنا تكمن نقطة ضعف الحريري والتي لا يتردد خصومه داخل بيئته في توظيفها لتقوية الحال المناوئة له.

 

ومن المفيد الإشارة في هذا السياق، الى أنه ليس خافيا أن التفاهم الرئاسي سقط يوم قرر الحريري بملء إرادته الانقلاب عليه بإستقالته المفاجئة، رغم كل التطمينات التي أوصلها الى قيادات الحكم وأهله بأنه لن ينبري الى خطوة مماثلة. كما ليس خافيا التحفظات لدى العهد، وهي كثيرة، على أدائه السياسي والحكومي حتى قبل 17 تشرين الأول. لذا لم يكن مفاجئا أن يقرر العهد طي صفحة التفاهم مباشرة بعد الاستقالة، تماما كما لم يكن مفاجئا له الطابع الانفعالي الذي طغى على الحريري وخطابه نتيجة إخراجه من الحكم.

 

إذن، المستقبل والحال هذه، ورغم الإنفعال الشديد ووعيد الخطاب، لا هو راغب ولا هو قادر على الإنغماس في معركة إنشطار عمودي قد تضعه في مواجهة مباشرة مع حزب الله تحديدا.

 

2- أما القوات فانخراطها المعلن في معارضة سماها سمير جعجع «شرسة» للعهد، لا يعني حكما انها ستقبل، أقله راهنا، بأن تكون جزءا من مشروع إسقاطه. كان جعجع واضحا في رسم خطّ بياني للسنوات الثلاث المقبلة: إعطاء فرصة للحكومة، ومن ثم العمل على انتخابات نيابية مبكرة في حال فشل الحكومة في عملها الإنقاذي.

 

ربما يدرك جعجع أن مشروع إسقاط العهد ينطوي على أخطر مما هو ظاهر. معركة بعض الساسة ليست فقط مع ميشال عون وشخصه، بقدر ما هي السعي الحثيث لإسقاط عقيدة الرئيس القوي (بل وأدها بأشد الأدوات وأقساها، لا القضاء عليها فحسب، لتبقى عبرة لكل طامح مارونيّ!)، الرئيس المنبثق من رحم شعبه المسيحي قبل أي إعتبار أو إعتقاد آخر، منعا لتكرار مآسي الرئيس الملهاة والمتقلّب، سمة ما بعد الطائف. هنا يكمن لبّ المعركة وخواصها، ودأب هؤلاء الساسة وديدنهم. فهل يذهب جعجع برجليه الى إسقاط عقيدة الرئيس القوي، مع إدراكه أنه سيكون بالقوة وبالفعل أحد ضحايا هذا الإسقاط في أي إستحقاق رئاسي مقبل؟ الجواب حتميّ، بلا أدني شك.

 

3- تبقى بكركي، وفيها وعندها الكلمة الفصل، طالما ان فيتوات المذاهب (وتحديدا المسلمة منها) تطغى وتسود. لا يعني انحيازها الى نبض الشارع وصولا الى النداء الصاخب لرئيس أساقفة بيروت المطران بولس عبد الساتر، ان ثمة قبولا مارونيا بأي رحيل قسري للعهد. فالدعوة الى تحمّل كل القيادات، لا الرئيس فحسب، المسؤولية الوطنية وإلا الاستقالة، لا تعني إطلاقا تغطية أي إنقلاب على الرئاسة المارونية في زمن يحنّ بعض الحكّام – أمراء الحرب (ويسعى بدأب) الى تكريس توازنات جديدة تخلّ بالصيغة، وربما بكيانية المسيحيين ومبرر وجودهم وبقائهم في لبنان!