«الجنرال» يُطمئن البطريرك إلى نياته
موفد عون للراعي: هذا ما نتعهد به أمامك!
تبدو العلاقة بين العماد ميشال عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي في هذه الأيام أفضل بكثير من السابق، بعدما نجحت زيارات موفدي الرابية ـ وفي طليعتهم النائب ابراهيم كنعان ـ الى بكركي، في توضيح الكثير من الالتباسات التي أضفت نوعاً من البرودة على هذه العلاقة في المرحلة الماضية.
ويكشف العارفون أن العديد من خصوم عون قد استفادوا من حالات سوء الفهم او التفاهم التي نبتت على طريق بكركي ـ الرابية، ليحاولوا استقطاب البطريركية المارونية وتحريضها على «الجنرال» المقاطع لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية، وهي المعروفة بحساسيتها المرهفة حيال الشغور الرئاسي.
ويشير العارفون الى أن الاتصالات قائمة على قدم وساق بين الرابية وبكركي لتثبيت الإيجابيات المستجدة، ومن ثم تطويرها، متوقعين توسيع مساحة القواسم المشتركة في المدى المنظور.
وقد أتى الموقف الأخير الذي أطلقه الراعي خلال استقباله نواب 14 آذار، ليلاقي في العديد من جوانبه مبادرة عون الهادفة الى إنهاء الشغور الرئاسي، كما استنتج المقربون من «الجنرال»، ويشير هؤلاء الى ان البطريرك الماروني أجهض شخصياً الهجوم المضاد الذي شنه الفريق الآخر على جوهر المبادرة العونية، من داخل بكركي، بعدما حاولوا أن يتخذوا منها منصة متقدمة لإحراج الراعي واستدراجه الى حيث لا يريد.
ويبدو ان النقاشات التي دارت بين الراعي وأحد موفدي «الجنرال»، قبيل اجتماع نواب 14 آذار في بكركي، نجحت في تطمين البطريرك الماورني الى نيات عون وعدم وجود قرار لديه بالدفع في اتجاه الانقلاب على الدستور أو الدعوة الى مؤتمر تأسيسي.
وسعياً الى قطع الطريق على أي هاجس او اصطياد في الماء العكر، نقل الموفد البرتقالي الى الراعي التزاماً واضحاً من عون بالبقاء تحت سقف الدستور. وقال القيادي للبطريرك: «سيدنا.. إننا نضع هذا الالتزام لديك ونتعهد أمامك بألا «نزيح» عن الدستور».
من الواضح، أن قاعدة «الميثاقية المتوازنة» التي تحمي حقوق المكوّن المسيحي عادت لتجمع الراعي وعون، وهو ما عبّر عنه البطريرك بانحيازه في كلمته أمام نواب 14 آذار الى مفهوم «الرئيس القوي»، بعدما كان ضغط الشغور في قصر بعبدا قد دفع البطريرك في لحظة ما الى تغليب أولوية انتخاب الرئيس على أولوية المواصفات.
ويشعر أنصار عون أن الراعي استعاد عبر طروحاته الأخيرة ثوابت بكركي التاريخية المتصلة بالميثاقية والشراكة والمناصفة والتوازن، بل استعاد بالدرجة الأولى خطابه الأصلي، وهو صاحب الشعار الشهير «محبة وشركة».
ويرى هؤلاء أن عون يسعى الى تصحيح الخلل المزمن، وتحديداً منذ «الطائف»، في تطبيق الميثاقية التي كانت ولا تزال انتقائية، بل أصبحت امتيازاً لبعض الأفرقاء على حساب المسيحيين الذين يحضرون في معظم مواقع السلطة منذ العام 1990 بالشكل والعدد وليس بالحجم والوزن، فتحولوا الى جوائز ترضية وأصبحت المناصفة فارغة من أي محتوى حقيقي.
ويلاحظ أصحاب هذه المقاربة، ان المكون الشيعي او الســني او الدرزي، وخــلافاً للتهمــيش «المستدام» اللاحق بالمسيحيين، لا يقبل تحت شعار الميثاقية بأي انتقاص من مكاسبه وحضوره في الدولة، ولعل غضب تيار المستقبل بعد حلول الرئيس نجيب ميقاتي في رئاسة الحكومة مكان الرئيس سعد الحريري هو أبلغ مثال على ذلك.
بهذا المعنى، فإن عون المتهم من قبل خصومه بتعطيل انتخابات الرئاسة بسبب مقاطعته الجلسات الانتحابية إنما يسعى الى تكريس معادلة مضادة، قوامها أن الميثاقية التي تعادل التوازن تعلو على النصاب التقني، وأن احترام الميثاقية هو الذي يأتي بالنصاب وليس العكس.
وقد اختصر أحد المتحمسين جوهر معركة «الجنرال» الرئاسية بالقول «إنها معركة ضمان حقوق المسيحيين الى ما بعد بعد ميشال عون».