Site icon IMLebanon

معادلة عون – حزب الله: لنا المقاعد ولكم النفوذ!

    مظلّة الأمان الدولية مستمرة والحليف العوني ماضٍ بتأمين الغطاء الاستراتيجي

    تحالف «الثنائية المارونية» غيَّر قواعد اللعبة.. وزمن الاصطفافات انتهى بانتظار ربيع 2018 موعد إجراء الإنتخابات النيابية»

«لنا المقاعد ولكم النفوذ» هي المعادلة التي يريد «التيار الوطني الحر» أن تحكم التسوية مع «حزب الله» حول قانون الانتخاب، وفق أحد السياسيين المتمرِّسين في قراءة مكنونات القوى المسيحية ودوافعها. فتنصُّل وزير الخارجية من إعلان الرياض عقب القمة العربية- الإسلامية- الأميركية بالطريقة التي أخرجها شكلت فرصة جديدة لرئيس التيار في لحظة اشتداد الضغوط على «حزب الله» من تأكيد أن الحليف العوني على أتم الاستعداد لأن يشكل غطاءً سياسياً له وحمايته على المستوى الاستراتيجي. هذا ما فعله التيار حين جرّ «حزب الله» لبنان إلى حرب تموز 2006، وحين انخرط في وحول الحرب السورية، وهذا ما سيفعله في خضمّ الاستهداف المباشر للحزب من ضمن قرار المواجهة المفتوحة للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة الذي خرجت به قمة الرياض، علماً أن التيار قد سبق أن حدّد موقعه الإقليمي إلى جانب محور إيران- سوريا- «حزب الله» في إطار تحالف الأقليات.

على أن ذهاب التيار في هذا الخيار لا بد من أن يجني ثمنه في المقايضات. الثمن هو تعزيز موقعه الذي عنوانه اليوم الحصول على القانون الذي يوفر الحد الأقصى الممكن من المقاعد النيابية في لعبة لا تتعدى الغرق في حسابات سياسة الزواريب، فيما خارطة المنطقة يتم رسمها، يقول السياسي المتمرس، والذي يرى أن هدف رئيس الجمهورية وتيار الرئيس و«الثنائية المارونية» – (التيار والقوات) الداعمة للرئاسة تظهير حجم الإنجازات التي جرى تحقيقها للمسيحيين، بدءًا من مجي الرئيس القوي والحصول على حصة وازنة في الحكومة إلى الإمساك بملف التعيينات الإدارية وصولا إلى الإتيان بقانون للإنتخابات يستعيد المقاعد المسيحية التي يهيمن عليها الآخرون. لكن هذه الانجازات لا تعدو كونها «وهماً معاشاً أو متخيلاً» لما حققوه للمسيحيين، ذلك أن «حزب الله» هو مَن أتى برئيس الجمهورية، وهو مَن فرض معايير تشكيل الحكومة، وهو مَن سيفرض قانوناً انتخابياً على أساس النسبية بالحد الأدنى من الدوائر التي يمكن أن يقبل بها.

ما يرمي إليه هذا السياسي المتمرِّس في قراءة مكنونات الفريق المسيحي الحاكم أن هذا الفريق يتلهَّى بالتسابق على تحصيل مكاسب داخلية آنية، فيما الهاجس الذي يجب أن يعتريه، في لحظة التحولات، يتحمور حول ماهية الدور الذي يجب على مسيحيِّي الشرق وفي مقدمهم مسيحيُّو لبنان أن يلعبوه في محيطهم العربي كجسر تواصل بين الغرب والشرق، والإسهام في ترسيخ العيش المشترك نموذجاً، وفي الإقدام على المشاركة في رسم معالم المنطقة من خلال مساهماتهم عبر تنوعهم الثقافي بالدفع قدماً إلى إرساء مفاهيم أكثر حداثة وعدالة ومدنية وحرية تلعب دوراً في التقريب بين الحضارات التي تبدو اليوم في قمة تصادمها مع الصورة النمطية التي تتكوَّن في المجتمعات الغربية عن الإسلام، ومع اعتبار بعض المنظّرين الغربيين أن الإسلام ليس ديناً فحسب، بل هو حركة سياسية، يستوجب محاصرتها وإضعافها وقتالها.

والشعور بالقصور المسيحي في التعامل مع التحديات الراهنة التي تواجهها المنطقة تدفع بعدد من الشخصيات المسيحيَّة سواء الزمنية أو الروحية إلى دق ناقوس الخطر، ولا سيما أنه بات مطلوباً بقوة من الفريق المسيحي في الحكم قبل غيره مقاربة المخاطر المحدقة بالمسيحيين بالإقلاع عن المراهنات على الالتصاق بقوى إقليمية قائمة على مشاريع مذهبية معادية للعالم العربي، ظناً منها أنها قادرة على تأمين الحماية، فيما التماهي مع العالم العربي الذي ينتمون إليه هو الكفيل في حفظ دورهم وتعزيزه وتقديره من قبل الشريك الآخر. فثمن الخطأ في التقدير قد يكون باهظاً جداً عليهم.

فقمة الرياض شكلت مفصلاً أساسياً في الصراع الإقليمي، يصح معه القول: «إن ما بعد قمة الرياض ليس كما قبلها»، حيث أن المنطقة باتت مفتوحة على تقلبات وتحولات «رجراجة» من الصعب التكهن بنتائجها، في ظل الاعتقاد السائد أن زمن المواجهة ليس بزمن قصير بل مفتوح على سنوات عدة قبل أن تتشكل معالمه النهائية، فضلاً عن أن ساحات المواجهة ليست محصورة بالساحات المشتعلة راهناً، إنما يُتوقع أن تمتد لتشمل ساحات أخرى، وليس بعيداً أن تشمل الساحة اللبنانية.

في الاعتقاد السائد أن القرار الدولي بتجنيب لبنان من تداعيات الحروب في المنطقة يستمر في توفير مظلة أمان له، ولا سيما أنه يوفر ملاذاً لما يزيد عن مليون نازح سوري وربع مليون لاجىء فلسطيني وعشرات الآلاف من النازحين العراقيين، لكن ذلك لا يعني أنه محصَّن من أن يتحوَّل إلى ساحة مواجهة، ليس من بوابة احتمال وقوع حرب بين إسرائيل و«حزب الله» فحسب، ولكن أيضاً من بوابة احتمال توفّر ظروف مؤاتية لاستعادة توحّد أطياف لبنانية مجدداً في مواجهة النفوذ الإيراني على غرار ما جرى في معركة مواجهة النفوذ السوري الذي شكَّل اغتيال الرئيس رفيق الحريري الشرارة الأولى في ما عُرف بــ «ثورة الأرز» أو «إنتفاضة الاستقلال».

تلك الاحتمالات يقرأها «حزب الله» بدقة، وهي احتمالات يدرك أنها ستضعه في موقع المحاصر أكثر، ما يجعله حذراً تجاه أي تبدّل في موازين القوى السياسية في لبنان يمكن أن تؤول إليها الإنتخابات النيابية، فالتحالف السياسي بينه وبين التيار الوطني الحر الذي وفَّرته «وثيقة التفاهم» وحصد التيار بموجبه دعماً سياسياً وانتخابياً وأصواتاً ومقاعد نيابية، لا يمكن للحزب الركون إليه كما سابقاً، وإن كان لا يزال ساري المفعول، ذلك أن التبدُّل الكبير الذي طرأ على السياسة الأميركية مع وصول دونالد ترامب حيال المنطقة يمكن أن ينتج عنه تطورات غير محسوبة أو ضغوطات تؤدي إلى تغيّر في الحسابات والتحالفات.

فرسائل الإغراء المتبادلة بين التيار الوطني وحزب الله لا يعني أنهما يتجاوزان قراءة امكانات اهتزاز التفاهم بينهما، خصوصاً أن تحالف «الثنائية المارونية» غيَّر من قواعد اللعبة التي كانت سائدة في زمن الاصطفاف السياسي بين فريقي 8 و14 آذار، تماماً كما أن التقارب بين «التيار البرتقالي» و«التيار الأزرق» الذي وُصف في لحظة التوتر الشيعي- الماروني على أنه استعادة لزمن «الثنائية المارونية- السنيّة» ما زال تحت مِجهر مراقبة المدى الذي يمكن أن يصل إليه.

في المسلَّمات السياسية أن الإنتخابات في لبنان لم تكن في يوم من الأيام انعكاس توازنات الداخل على الخارج بل على العكس كانت انعكاس توازنات الخارج على الداخل، ومن هنا، يسود الاعتقاد أنه في ظل ضبابية المشهد الإقليمي حيث المنطقة تعيش مخاضاً عسيراً، فإن أكثر الإتجاهات الذي ستسلكه مختلف القوى السياسية، من منطلق رغبتها في تحسين مواقعها، هو انتظار ربيع 2018 لإجراء الانتخابات، بحيث يكون قد انقشع غبار المعارك التي من المرتقب أن تستعِرْ خلال الأشهر المقبلة في الإقليم.