Site icon IMLebanon

عون أول رئيس منذ 1995 بلا «زعبرة»

للمرة الأولى في ظل اتفاق الطائف، منذ عام 1995، يُنتخب رئيس للجمهورية في ظروف «طبيعية». في أحسن الأحوال يبدو انتخاباً غير استثنائي تبعاً لما ينص عليه الدستور، لرئيس يصل على نحو استثنائي

ما يصح على جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، الاثنين المقبل، ان اللبننة الظاهرة تطغى عليها، اذ يذهب الافرقاء الى الجلسة 46 من تلقائهم بلا وسيط، بلا وساطات إقليمية ودولية، بلا تسوية دموية طبعت في الغالب معظم الاستحقاقات.

يصح ذلك ايضاً على ما هو اكثر اهمية: طريقة طبيعية في انتخاب الرئيس.

في جلسة 31 تشرين الاول، يبدو كل أمر يحوط بها طبيعياً اكثر مما يتصوّره اللبنانيون.

إنتخب الرئيسان رينه معوض والياس هراوي عام 1989 واتفاق الطائف لما يزل حبراً على ورق. صوّت عليه البرلمان معنوياً في 5 تشرين الثاني، الا انه لم يشق طريقه الى التنفيذ إلا متأخراً بعد سنة.

مع ان انتخاب الرئيسين كان دستورياً غير مشوب بعيب، الا ان طيّ صفحة الحرب واتفاق الطائف اوصلهما الى رئاسة الدولة.

في ما بعد كرّت سبحة الإلتواء في إنتخاب الرئيس: مددت ولاية هراوي ثلاث سنوات عام 1995 بتعديل غير مسبوق للفقرة الاولى من المادة 49، لم يقل بإعادة انتخاب الرئيس، بل استمرار ولايته ثلاث سنوات اخرى. بعد ذلك انتخب قائد الجيش العماد اميل لحود رئيساً للجمهورية عام 1998، استبقه تعديل الفقرة الثانية من المادة 49 بما يزيل العائق الدستوري من طريق انتخاب موظف كبير. ثم كانت عام 2004 استعادة تجربة 1995 بتعديل دستوري يمدد ولاية لحود ثلاث سنوات اخرى انتهت عام 2007، دونما اقتدائها كما سلفه من قبل ــــ على الاقل بشيء من الاحتشام ــــ بسابقة الرئيس بشارة الخوري عندما ربط استمراره في الولاية بإعادة انتخابه مجدداً عام 1948 فمثل امام المجلس مرة ثانية.

انتخاب ثالث رؤساء ما بعد اتفاق الطائف كان الطامة الكبرى. لم يصر الى تعديل المادة 49 لازالة المانع الدستوري من انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان، فإذا هو ينتخب تبعاً للمادة 74.

لم تكن هذه المادة طبقت سوى مرة واحدة في تاريخ الاستحقاقات الرئاسية المتعاقبة، حينما استقال الرئيس بشارة الخوري في 18 ايلول 1952، فشغر المنصب فوراً. صار الى دعوة البرلمان الى انتخاب خلف له هو الرئيس كميل شمعون بعد خمسة ايام، تبعاً للآلية الدستورية المطابقة لحال شهدها لبنان مرة واحدة على امتداد اكثر من 70 عاماً: استقالة رئيس الجمهورية.

كان اللجوء الى المادة 74 في انتخاب سليمان، على اثر تسوية الدوحة، للتهرّب من المادة 49، وتالياً تفادي تعديلها بما يتوافق مع احكامها الملزمة بعدم دستورية انتخاب موظف لم يستقل من الوظيفة قبل سنتين من ترشحه.

كمنت الذريعة في الاحتكام الى المادة 74، في ان المادة 73 تتحدث عن انتخاب الرئيس في المهلة الدستورية التي تسبق انتهاء ولاية السلف، شهر على الاقل وشهران على الاكثر، يلتئم المجلس خلالها، بينما تتناول المادة 74 خلو منصب الرئيس بسبب الوفاة او الاستقالة او اي سبب آخر، ما يحتم الاجتماع للحال دونما دعوة من رئيس المجلس حتى.

واقع الامر ان برلمان 2005 الذي انتخب سليمان عَبَرَ بـ19 موعداً لانتخاب الرئيس ما بين عامي 2007 و2008، حددها رئيس المجلس، من غير ان يكتمل النصاب القانوني للانعقاد. كان تحديد المواعيد ينطلق من الدعوة الاولى التي وجهها بري الى النواب عملاً بأحكام المادة 73. مع ذلك ذهب برلمان 2005 الى المادة 74 كي يتنصل من تعديل المادة 49، فالتأم لانتخاب قائد الجيش بناء على الموعد الـ20 الذي حدده رئيس المجلس وهو لما يزل في الدوحة، في 21 ايار 2008، نهار توقيع الزعماء اللبنانيين وثيقة ذلك الاتفاق في قطر.

الاثنين المقبل يوم تنقلب فيها الارقام رأساً على عقب: رقم 13 تشرين الاول صار مقلوباً 31 تشرين الاول، هو الفاصل ما بين سقوط الرجل في ذلك النهار في قصر بعبدا وعودته اليه في الشهر نفسه رئيساً للجمهورية.

هذه المرة، للمرة الاول منذ عام 1995، لا احد يتذكر المادة 49 لتعديل الفقرة الاولى بتمديد الولاية كعامي 1995 و2004، ولا لتعديل الفقرة الثانية لانتخاب موظف يمنع الدستور انتخابه كعام 1998، ولا انتخاب «يزعبر» لوصول رئيس الى منصبه.

لم يتردد الرئيس نبيه بري في الاسابيع الاخيرة حينما سئل هل يدعو الى انتخاب الرئيس، عندما يحين الاوان، مجدداً عملاً بالمادة 74، في القول: نعم أفعلها.

بالتأكيد إنتخاب عون الإثنين يعتمد أولاً على المادة 49 وحدها، كلاً لا يتجزأ، وإن يأتي إنتخابه بعد سنتين ونصف سنة من الشغور إنطفأت معها الحاجة المهينة الى المادة 74. بيد ان الظروف «الطبيعية» تتيح في ذلك اليوم الشعور، للمرة الاولى ربما، لسنوات خلت، ان شيئاً ما في الدستور لم يضطرب او يهتز او يتعرض للاستباحة. هذه المرة المادة 49 على صورتها الصحيحة.

مع ان الرئيس المقبل عماد سابق، كالرئيسين السلفين عمادين سابقين، في بلد يلعب الجنرالات على سطوحه، فهو اكثر من سواه الرئيس «الطبيعي» منبثقاً من الدستور «الطبيعي».

لكن ثمة ما هو مفيد ايضاً ورد في الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس التي عقدها المجلس الثانية عشرة ظهر الاربعاء 23 نيسان 2014 برئاسة بري. كانت جلسة اولى ختم محضرها وانطفأت. في المحضر الرسمي في مجلس النواب وقائع اللحظات الاخيرة من الجلسة تلك:

« (…)

الرئيس: هل تم الانتهاء من توزيع الاوراق؟

تبدأ عملية الاقتراع.

طاف الحاجب بصندوق الاقتراع ونودي السادة النواب بأسمائهم.

بعد الانتهاء من عملية الاقتراع.

الرئيس: عدد المغلفات 124 المتطابق مع عدد السادة النواب الحاضرين في القاعة. تبدأ عملية فرز الاصوات.

بعد الانتهاء من عملية فرز الاصوات اعلن دولة الرئيس نتيجة الفرز على الشكل الآتي: اوراق بيض 52، سمير جعجع 48، هنري حلو 16، امين الجميل 1، مغلف فارغ، ورقتان حملتا اسم طارق داني شمعون، اربع اوراق باسم كل من رشيد كرامي، داني شمعون، جيهان طوني فرنجيه، الياس الزايك. فيكون المجموع 124.

الرئيس: الرجاء احصاء عدد النواب الموجودين الآن في القاعة.

بعد احصائهم.

الرئيس: عدد الحاضرين في القاعة الآن 78.

انتهت الدورة الاولى وأرجئت الجلسة الى يوم الاربعاء المقبل الساعة الثانية عشرة ظهراً.

سامي الجميل: دولة الرئيس بالنظام، هل النصاب المطلوب في الجلسة المقبلة ايضاً الثلثان؟

الرئيس: حضرة الزملاء، دائماً النصاب المطلوب لانتخاب فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية هو الثلثان، اي ثلثي عدد اعضاء المجلس، اي 86.

يتلى ملخص محضر الجلسة.

تلي.

الرئيس: صدق المحضر وارفع الجلسة.

رفعت الجلسة الثانية عشرة وخمس واربعين دقيقة».

مجرد المصادقة على محضر الجلسة يعني ختمها كي تمسي اي جلسة تالية جديدة، لا صلة لها بالتي سبقتها، يقتضي معها دورتا اقتراع. كأنها من الأول.