تعود الخلافات نفسها حول تشكيل الحكومة الى الواجهة، بعد انتهاء القمّة العربية التنموية: الإقتصادية والإجتماعية في دورتها الرابعة التي استضافها لبنان في الويك- أند الماضي، على أن يبقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رئيساً لها طوال الأربع السنوات المقبلة والمسؤول عن متابعة تنفيذ ما ورد في «مشروع إعلان بيروت» الذي صدر عنها بموافقة الدول العربية، الى حين تسليمه رئاسة القمّة الى الرئيس الموريتاني في دورتها الخامسة في العام 2023.
وتقول مصادر سياسية عليمة بأنّ اقتراحات وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل عادت فعلاً الى التداول بها، لا سيما منها حكومة الـ 32 وزيراً بدلاً من 30 والتي من شأنها إضافة مقعداً وزارياً للطائفة العلوية من حصّة الرئيس المكلّف سعد الحريري، على أن يكون من كتلة رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي ومقعداً آخر للأقليات أو للطائفة السريانية من حصّة رئيس الجمهورية، وتكون بذلك الطوائف كلّها ممثلة في الحكومة الجديدة، ويكون الرئيس عون قد احتضن الجميع وأثبت فعلاً أنّه «بيّ الكلّ».
غير أنّ الرئيس الحريري، على ما أضافت المصادر، لا يزال يُعارض فكرة توزير علوي ومن ضمن حصّته، خصوصاً وأنّ والده وفي عزّ الوصاية السورية على لبنان لم يُوزّر علوياً، والذي تعتبره الطائفة السنيّة أقرب من الطائفة الشيعية أكثر منه اليها، فلماذا يُوزّره هو اليوم، لأول مرّة في لبنان، ويُعطي الشيعة 7 وزراء، فيما يبقى عدد الوزراء السنّة 6؟! كما أنّه يخشى بالتالي أن يتحوّل هذا الأمر الى عُرف، فتصبح هاتان الطائفتان تطالبان في كلّ مرّة ستُشكّل فيها حكومة جديدة بحقّهما في التوزير. وهكذا يكون الحريري قد فتح باباً يجد أنّه بغنى عن فتحه اليوم. والأمر نفسه يُفكّر فيه «حزب الله» و«حركة أمل»، فلماذ يوافقان على حصول الحريري على 7 وزراء للسنّة، فيما تبقى حصّتهما معاً 6 وزراء للشيعة؟!
كما أنّ طرح باسيل يُبقي على حصّة «التيّار الوطني الحرّ» وحصّة رئيس البلاد، على ما هي عليه أي 11 وزيراً، وهذا ما يُعارضه البعض، لكي لا يبقى «الثلث المعطّل» أو «الثلث الضامن» في يدّ فريق واحد في البلاد. غير أنّ المصادر نفسها أوضحت أنّه بإمكان أي فريق سياسي آخر أن يُعطّل قرارات الحكومة المقبلة من دون الحاجة الى أن يكون لديه «الثلث المعطّل»، علماً أنّ التوافق بين بعض المكوّنات السياسية قد يجعل عددها أكثر من 11 وزيراً، ما يخوّلها بذلك القيام بأكثر من التعطيل. غير أنّ الهدف من تشكيل الحكومة الجديدة، أو «حكومة الوحدة الوطنية» هو إنقاذ البلاد ممّا تعانيه من مشاكل ملحّة وإيجاد الحلول لها، والعمل بالتالي على تطوير الإقتصاد وتحقيق النمو والإزدهار، وليس «التعطيل» الذي يخاف منه البعض ولهذا يُعرقل تشكيل الحكومة.
وثمّة طرح آخر بأن يكون الوزير العلوي من ضمن الكتلة السنيّة، والحريري لا يزال يُفكّر فيه، علماً أنّ الثنائي الشيعي قد وافق على إسناد مقعداً وزارياً للعلوي السيّد عادل أفيوني إلاّ أنّ الرئيس المكلّف لم يُوافق. وأكّدت بأنّ الخلاف ليس اليوم على التخلّي عن مقعد أو ربح مقعد إضافي بين السنّة والشيعة، إنّما حول الخشية من أن يُصبح تنازل أحد الفريقين عُرفاً، فلا يعود بإمكان أي منهما أن يستردّ حقّه في الحكومة اللاحقة. ولعلّ هذا ما يجعل الرئيس عون و«التيّار الوطني الحرّ» يتمسّكان بحقّهما، نظراً لأنّه جرى سلبه من المسيحيين في حكومات سابقة عدّة.
وأكّدت المصادر بأنّ الرئيس عون قد تنازل لحلّ العقدتين المسيحية والدرزية، ولا يُمكنه بالتالي تقديم أي تضحيات إضافية. ولهذا فعلى الرئيس الحريري والثنائي الشيعي الإتفاق على توزير ممثّل عن «اللقاء التشاوري» فيما بينهم. وأشارت الى أنّ اللقاء الأخير الذي جمع بين الحريري وباسيل تمّ خلاله مناقشة سلسة أفكار من ضمن اقتراحات باسيل الثلاثة، بهدف التوصّل الى حلّ نهائي لمأزق تشكيل الحكومة. ويبدو أنّ الحريري تقبّل بعضاً منها، وتبقى موافقة «اللقاء التشاوري» والثنائي الشيعي على أحدها.
وعلى ما يبدو، فإنّ الخلاف لا يزال مستمرّاً، فالإقتراح الذي يقبله الحريري يرفضه الثنائي الشيعي والعكس بالعكس، سيما وأنّه «يُخلّ بالتوازن ويضرب الميثاقية على المستوى الإسلامي». ولهذا فالأمور مرشّحة للبقاء على حالها، أقلّه حتى يوم السبت إذ سيُدلي الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله، بعد طول غياب وصمت استمرّا نحو ثلاثة أشهر، بخطاب شامل يُحدّد فيه موقف الحزب من مختلف العناوين بدءاً من الأنفاق المزعومة عند الحدود، الى تشكيل الحكومة الجديدة، مروراً بجولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، والإنسحاب الأميركي من سوريا، والمفاوضات اليمنية، وصولاً الى قمّة بيروت.
ومن هنا، فإنّ التمثيل الوزاري للنوّاب الستّة السنّة، لم يتمّ بعد التوافق عليه بين الحريري والثنائي الشيعي، على ما لفتت المصادر نفسها، وفق المقترحات المقدّمة سابقاً، بل يتمّ دراسة أفكاراً جديدة قد تُشكّل مخرجاً للخلاف السياسي بين الطائفتين السنيّة والشيعية، على خلفية توزير سنّي محسوب على فريق 8 آذار.
وبناء على ما تقدّم، فإنّ المبادرة الرئاسية التي تقدّم بها الرئيس عون وتضمّنت إسناد مقعداً وزارياً لكتلة «اللقاء التشاوري»، على أن يجري تمثيلها بشخص من خارج صفوفها، ويتمّ اقتطاع هذا المقعد من حصّة عون الوزارية، هي التي ستتقدّم خلال الأيام المقبلة على ما عداها من اقتراحات بتوسيع الحكومة، على ما يقول بعض المراقبين، كونها أفضل بكثير من عملية التوسيع التي ستُدخل التشكيل في نفق جديد. فالتوافق على إسم هذا الوزير رغم صعوبته، يبقى أسهلاً بكثير من الدخول بديباجة عدم توازن الحصتين السنيّة والشيعية، فضلاً عن ضرورة إيجاد حلّ للخلاف حول الجهة التي سيُمثّلها الوزير السنّي المعارض داخل مجلس الوزراء دون سواها.
ويرى المراقبون بأنّ الملفات والمواضيع التي سيجري طرحها على طاولة مجلس الوزراء، هي التي تجعل هذا الفريق أو ذاك يؤيّدها أو يُعارضها، وغالباً ما لوحظ التوافق بين الرئيس عون و«التيّار الوطني الحرّ»، وبين «حزب الله» على ملفات عدّة منها نظراً لوجود ورقة التفاهم بين الجانبين. إلاّ أنّ ذلك لا يمنع عدم تأييدهما دائماً للمواقف نفسها، ولهذا لا بدّ وأن يُعلن الوزير السنّي المعارض عن «تموضعه السياسي الحصري للجهة التي يُمثّلها» قبل دخوله الحكومة الجديدة.