Site icon IMLebanon

رسالة عون بمقام حل البرلمان

 

 

 

أي عقل هذا الذي يعيد الكرة مرة تلو المرة في طريقة ماكيافيلية عبر الرسالة التي بعث بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى البرلمان؟

 

فالرسالة مليئة بالحشو الإنشائي المدبج من قبل مفتي البلاط الذي ينشرح للاجتهادات غب الطلب، متوسلاً قلب الحقائق ومعتقداً أن بالفذلكات اللغوية يعدل الدستور بالممارسة، هي هوايته “منذ الصغر”، ويضرب اتفاق الطائف، ويبلف نفسه بإمكان إيهام الرأي العام والبعثات الديبلوماسية والمراقبين الأجانب عبر المسرحيات التي يعتقدها دستورية. وهي مليئة بالمغالطات والتناقضات، وتتجاهل الواقع السياسي الذي أنتج تكليف سعد الحريري بتأليف الحكومة، وتقفز فوق المعادلة اللبنانية.

 

مع حديث الرسالة عن “الفصل بين السلطات وتعاونها وتوازنها”، لماذا يكرر فيها مضمون رسالة رئيس الجمهورية المتلفزة عشية الاستشارات النيابية الملزمة في 22 تشرين الأول الماضي، والتي ألزمه فيها الاحتجاج الداخلي والخارجي ضد إطالة تأجيلها، إضافة إلى الدستور، تلك الرسالة التي دعت النواب مواربة لعدم تسمية الحريري، فإذا بالأكثرية تجبره على تسميته؟ هل كان هذا فصلاً للسلطات في حينها؟ وهل الإيحاء في الرسالة الجديدة بإنهاء تكليف الحريري هو “فصل” للسلطات أم محاولة لمصادرة قرار السلطة التشريعية التي ما زال فيها خيط يبقيها المؤسسة الثانية بعد الجيش على قدر من التماسك؟

 

القاصي والداني يدرك أن الفريق الرئاسي أراد الانقلاب على قرار الأكثرية النيابية التي سمت الرئيس المكلف، بعد اكتشافه أن الحريري لم يعد قادراً على التنازل عن صلاحياته في التأليف ولا في قيادة عمل الحكومة، بتقديم التنازلات الفادحة كالسابق والتي كانت من سلبيات دوره في الحكومتين الأوليين اللتين رأسهما منذ 2016. والتحجج بـ”الاتفاق” ليس إلا مرادفاً للفرض.

 

الرئيس عون نفسه أبلغ الحريري في أولى الجلسات بينهما بعد الاستشارات، أنّ “لا أريدك”، وطرح عليه شروطه في التعيينات في مصرف لبنان، وفي نيته عبر الحكومة، مواجهة أقطاب السياسة اللبنانية الذين يناهضون صهره جبران باسيل ومنهم نبيه بري ووليد جنبلاط. وأبلغ سياسيين وموفدين وسفراء، أنه لن يقبل بأن يؤلف زعيم “المستقبل” الحكومة وتساءل أمام بعض الأجانب ماذا يبقى الحريري فاعلاً ومتمسكاً بالتكليف “طالما لن يؤلف”؟

 

أما نص الرسالة على “نشوء السلطة الإجرائيّة وانتظام عمل السلطات الدستوريّة”، وعن أن الحكومة “عمل دستوري وجوبي”، فلا يتلاقى مع شكوى عون الدائمة أمام موفدين أجانب على الحريري، لرفضه الاجتماع إلى صهره بصفته رئيس أكبر كتلة نيابية… ويجافي السعي المتواصل إلى مصادرة العمل الحكومي عبر ترؤس الاجتماعات العشوائية وإقحام المجلس الأعلى للدفاع في أمور ليست من اختصاصه، لمجرد تصدره طاولة الاجتماعات يحيط به وزراء وكبار قادة الأمن، في القصر.

 

لم يكن في مصلحة الرئاسة أن تتباكى على “اختناق معيشي ومالي واقتصادي” بعد مصادرة صلاحيات الحكومة بالممارسة، بترؤس اجتماعات متتالية لضبط سعر الصرف ووقف تهريب المواد المدعومة… وضرب الاحتكار، بقرارات وعدت عشرات المرات بتحسن الأوضاع، فإذا بها تتدهور مرة تلو الأخرى. إذا كانت الرسالة “تأتمن” رئيس الجمهوريّة على دستور يجري خرقه، “والسهر على أن لا تنشأ أعراف دستوريّة خاطئة”، فما الهدف من وضع معايير للتأليف غير موجودة إلا في عقل الفريق القابع في القصر؟ تغفل الرسالة عن أن الحكومة المطلوبة من المجتمع الدولي يجب أن تتألف من اختصاصيين غير حزبيين، لمصلحة الاتفاق مع “الكتل النيابية” ليعود الحزبيون مقنعين. إذا كانت الرئاسة تلجأ إلى البرلمان فلماذا لا تترك الأخير يحجب الثقة عن حكومة الحريري التي قدم لائحتها إلى القصر في 9 كانون الأول الماضي؟

 

الرسالة محاولة لإلغاء دور البرلمان، باسم الاستنجاد به، وتقوم مقام قرار عون حل البرلمان عام 1989، الصلاحية التي أسقطها اتفاق الطائف عن الرئاسة.