من غير المسموح النقاش في حق رئيس الجمهورية توجيه رسالة الى مجلس النواب لمخاطبته في موضوع قانون الانتخاب وحضّ أعضائه على البت به، فهو حقه الدستوري، ونقطة عالسطر. لكن ما هو مطروح في وجود الحكومة بتركيبتها الحالية قد يكون سبباً يقود الى مشكلة إضافية، فما الذي يقود الى هذه المعادلة؟
لم يعد خافياً على أحد أنّ من بين المخارج المطروحة لأزمة توليد قانون جديد للإنتخاب الحديث عن دعوة سيوجّهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الأقطاب أطراف طاولة الحوار السابقين لتجديد لقاءاتهم في قصر بعبدا في خلوة لا تُرفَع قبل التوصل الى قانون انتخابي جديد تزامناً مع حديث عن رسالة يوجّهها الى مجلس النواب يحضّ فيها أعضاءه على الإسراع في وضع قانون جديد.
والى الهدف المعلن من هاتين الخطوتين الكامن في السعي الى وضع القانون الجديد، هناك مخاوف جدّية من بلوغ مرحلة تضيق فيها، أو تنعدم، المخارج الدستورية وسط إصرار غير مسبوق على رفض القانون النافذ 25 / 2008 والذي يُعرف تارة بـ«قانون الدوحة» أو «قانون الستين»، حسب المناسبات التي يُصار فيها الى مقاربة هذا القانون ومدى فهم الأطراف له، على رغم نعي الجميع له في السياسة لا في القانون أو الدستور.
ففي ظلّ الخطر من تجاوز المهل الدستورية، هناك مَن يقول إنّ المهلة القانونية والدستورية الخاصة بالانتخابات هي في 21 آذار المقبل ربطاً باليوم الأول من نهاية ولاية مجلس النواب الحالي الممدَّد له مرتين وهو تفسير دستوري لا خلاف حوله. لكنّ الخلاف اليوم يعيد نفسه يوم وقع عند التمديد لمجلس النواب العام 2013 ومرده الى ربط إجراء الإنتخابات في حينه بقانون جديد ورفض القانون النافذ.
فقال المجلس الدستوري يومها مجتمعاً أثناء النظر في الطعون التي تقدّم بها رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان وأعضاء من تكتل «التغيير والإصلاح» أنّ الربط بين إجراء الإنتخابات وضرورة التوصل الى قانون جديد لم يتمّ التوصل اليه ليكون بديلاً من القانون النافذ، يشكّل خروجاً على الأصول الدستورية.
ولذلك، فإنّ الإصرار على توليد القانون الجديد مردّه الى احترام آخر المهل الدستورية لدعوة الهيئات الناخبة في 21 آذار المقبل وفق التفسير الذي يهمل اعتبار 21 شباط آخر هذه المهل. فتلك المهلة لم تكن قانونية بمقدار ما كانت سياسية وأخلاقية شكّل الالتزامُ بها أمراً طائفياً احتراماً لمشاعر المسلمين لوقوع شهر رمضان المبارك في حزيران من هذه السنة ويستحيل إجراء العملية الإنتخابية خلاله.
وهو أمر لم يلحظه الدستور ولا قانون الانتخاب. ولذلك فإنّ العودة الى ما يقول به الدستور تفترض احتسابَ مهلة التسعين يوماً في التاريخ الذي يسبق نهاية ولاية المجلس التي تنتهي حكماً ليل 20 – 21 حزيران المقبل.
وفي ظلّ هذه القراءة الدستورية والموضوعية يعترف كثير من المتعاطين بملف الإنتخابات أنّ الوصول الى قانون جديد هو قرار سياسي على القيادات اللبنانية اتّخاذه حمايةً لمصلحة وطنية عليا من دون انتظار الفائز في المواجهة السورية، لأنّ النهاية بعيدة لتتبيّن منها هوية الفائز من اللبنانيين، وعما إذا كانت لأيّ منهم القدرة على استثمار ما يجرى هناك في الداخل اللبناني.
فالإنتخابات المقبلة ستبني شكلَ وموازين القوى للسنوات الأربع المقبلة وهي مليئة بالإستحقاقات الدستورية والسياسية الكبرى الداخلية منها والإقليمية وهو أمر يعوق في حسابات البعض إمكان التوصل الى قانون جديد للإنتخاب.
لذلك يرى الخبراء في قوانين الانتخاب أن ليس صعباً التوصل الى قانون إذا تمّ الفصل النهائي بين ما هو شأن لبناني وما هو إقليمي. وفي رأي العارفين أنّ التفاهم ليس مستحيلاً الى الدرجة التي يتوقعها المتشائمون، وهم يستندون في رأيهم الى ما هو متوافر من مقاربات رقمية وإحصائية في شأن عدد بات محصوراً من القوانين يسهل التوافق حولها.
وهو أمر ممكن في أيام قليلة في حال كان هناك حوار شامل بين ممثلي مختلف الأفرقاء اللبنانيين وليس بين أربعة أو طرفين حاولوا اختصار آراء الجميع على قاعدة أنهم «الأقوياء الأربعة» أو أنهم «الثنائي اللولب».
وهم اعتقدوا أنّ في إمكانهم تجاهل بقية الأفرقاء لمجرد أنهم أكثرية نيابية مركّبة حديثاً من القوى التي عقدت الصفقة الرئاسية بمَن فيها من حلفاء قدامى وجدد. وقد ثبت فشلهم جميعاً في التوصل الى قانون جديد الى مرحلة بات الخطر يطرق أبواب العهد الجديد قبل أن يعبر المئوية الأولى من أيامه.
وبناءً على ما تقدم وفي الوقت الذي يرجّح المراقبون إمكان تقديم طاولة الحوار مخرجاً لمأزق القانون الجديد على الرسالة الرئاسية، هناك مَن يعتقد أنّ الرسالة، وإن كانت من باب «آخر الدواء الكي»، فإنّ هناك مَن يحذّر من اللجوء اليها مخافة أن تزعج رئيس مجلس النواب نبيه بري على خلفية أنّ الحوار ليس مقطوعاً بين اللبنانيين ليخاطب عون مجلس النواب بـ «ورقة» أو «رسالة» لحضّه على وضع القانون.
فالمسؤولية في مسألة القانون الجديد، في رأي بري، تقع على عاتق الحكومة قبل المجلس النيابي وهي في كلّ حال تشكل في تركيبتها وموازين القوى فيها مجلساً نيابياً مصغّراً.
وعليه، فإنّ ما يخشاه رافضو توجيه الرسالة من بعبدا الى ساحة النجمة لحضّ المجلس على حوار حكومي ـ نيابي سيتحوّل حواراً مع المرآة لا يؤدّي إلّا الى ما يعكس الصورة نفسها بوجهيها، فالحكومة والمجلس هما «وجهان لعملة واحدة»، فمَن يخاطب مَن؟!