لا يزال ميشال عون يحتفظ بهدوئه رغم كل العواصف التي هبت فجأة من داخل البيت الواحد ل 8 آذار، يسمع «الجنرال» ترداد سليمان فرنجية لمقولة استمراره في الترشح ولو ايده نائب واحد فيحاول ان يغض النظر عن تصريحات الحليف السابق الذي اصبح خصم اليوم والمنافس الوحيد له على قصر بعبدا، ويتناهى لعون ان بري يولعها في مجالسه الخاصة ضد ترشيحه ولا «يخجل» رئيس المجلس من الاعتراض عليه في العلن فيتسلل جبران باسيل رغم كل ما قيل ويقال الى عين التينة في حمأة مشاوراته ولقاءاته المكلف بها من قبل عون لاستمزاج آراء ومواقف الحلفاء والاخصام لكن عون «ينعم» بحالة من الاسترخاء الرئاسي وكأن البحر الهائج حوله لا يعنيه واللافت هو ان عون لم يعرف في حياته السياسية الصاخبة مثل هذا الهدوء وهو الذي تعود ان يذهب الى خصومه في الحرب قبل ان يأتوا اليه، فهل يعرف ميشال عون ما لا يعرفه غيره، وهل ميشال عون على صواب ام على خطأ خصوصاً ان الموعد الذي حدده لم يعد بعيداً؟
كل المؤشرات توحي بأن لا رئيس في بعبدا في 31 تشرين الاول، ما كان ينقص المشهد الرئاسي تعقيداً الا ذلك الاجتماع في عين التينة بين فرنجية وبري الذي حدد العقدة الاخيرة بعقدة «عين التينة وبنشعي» فالحليفان للجنرال والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يرفضان ميشال عون، والسيد نفسه اوحى للرابية بضرورة حل عقدة بري – فرنجية. ورغم ذلك فان المراوحة في الرابية هي سيدة الموقف، لا يمكن كسر الجرة بعد والذهاب الى المواجهة الشاملة، و«اليوم العوني» في الوقت نفسه الى قصر بعبدا بات واقعاً لا محالة منه بعدما سدت كل الافق تقريباً ومسارب الحلول للازمة الراهنة، فتيار المستقبل لم يحسم قراره بمعادلة رئيس مقابل رئيس لا بل فان كل المؤشرات تشير الى ان سعد الحريري لن يكون ربما بمقدوره السير في هذه الخيار بعدما لمس الحريري فيتوات من داخل فريق 8 آذار نفسه فكيف يمكن للحريري ان يقنع جمهوره بانتخاب عون فيما فتحت جبهة فرنجية وبري على مصراعيها، في حين ان الحرب السنية عليه مفتوحة لانتزاع الزعامة منه التي يقودها الوزير أشرف ريفي والفيتو السعودي الذي لا يزال جاثماً فوق افق الرابية، وحيث ان الضوء الاخضر الاقليمي لم يصدر بعد بشأن انتاج رئيس للجمهورية، وبالتالي فان انسداد هذا الافق وعملية الحشر التي يتعرض لها ميشال عون جعلته يختار التحرك لكن هذا التحرك سيكون تصعيدياً وتصاعدياً في يوم 16 تشرين كما كان مرسوماً الا ان سيناريوهات احتلال قصر بعبدا وفرض امر واقع بالقوة تبقى افتراضية وغير واقعية.
تؤكد اوساط سياسية مقربة من التيارالوطني الحرّ، ان يوم 13 تشرين هذا العام يفترض ان يكون مختلفاً، فحضور عون الى بوابة القصر وارد بقوة وفي كل الاحوال هي ربما المرة الاخيرة التي يتحدث فيها عون امام جمهوره كرئيس لتكتل الاصلاح والتغيير، بدون شك فان استثارة وتعبئة مشاعر الجمهور العوني ستكون اقوى من السنوات السابقة وستتوزع رسائل عون في كل الاتجاهات. وبحسب الاوساط فان رئيس تكتل الاصلاح والتغيير لا يزال يحتفظ بمروحة واسعة من التفاؤل في الربع الساعة الاخير من السباق الرئاسي، التصعيد بدون سقف الى حد الاستقالة من مجلس النواب واعلان «خراب البصرة» دونه موانع كثيرة، التصعيد هذه المرة كما تقول الاوساط لا يشبه تصعيد الامس، فلا ميشال عون هو ذاته، ولا تياره يشبه تيار الامس، فيما الظروف تبدو اكثر تعقيداً اذا ما قيس الوضع الامني اليوم في ظل غزو «داعش» والارهاب لبنان والمنطقة عن السياق الماضي، لا بل خطورة الوضع الامني وما تحويه الساحة اللبنانية من مخططات وارهابيين لولا جهود القوى الامنية لكان لبنان سقط في ايدي الارهاب الداعشي منذ سنتين.
فالتصعيد بالنسبة الى الرابية لا بد منه باعتباره «الطلقة الاخيرة» لكنه يبدو حتى الساعة مدوزناً، فرئيس تكتل الاصلاح والتغيير خسر كثيراً ولم يعد لديه ما يفقده. التحرك اما يكون مصيريا ومربحاً فيكسب عون الرئاسة، واما تكون بداية مرحلة مختلفة ومعقدة فينتقل عون الى نادي الانقلابيين والانشقاقيين وكل عناصر المعركة متوافرة لدية فالدولة غارقة في ازماتها والبلاد معطلة. اما سلبيات التصعيد فلا تحصى، فالتيار الوطني الحر الذي شهد انتفاضة وحملة تطيير لقياديين في صفوفه والذي خسر حروباً كثيرة لا يحتمل انتكاسات اضافية الى رصيده، والسؤال عن جدوى التصعيد طالما ان اللاعبين الاقليميين ومن يؤثرون في الاستحقاق اللبناني يرفعون شعار التريث ويطالبون بالتهدئة طالما ان لبنان مستودع آمن للنازحين، وسقوط الحكومة «خط احمر». على ان اخطر ما في النزول الى الشارع يكمن في مكاسب عون خصوصاً ان فرنجية مرشح جاهز يتحدى عون بالنزول الى مجلس النواب وثمة مرشحون اقوياء بالمرصاد ايضاً، كما ان اي خطوة ناقصة تعرض البلاد للخطر الامني وثمة مخاوف من اندساس مجموعات معينة في تحركات عندما تحين ساعة النزول على الارض.
في كل الاحوال فان الواضح ان ميشال عون صار وجهاً لوجه مع الحلفاء، والسؤال : من يطلق النار على رأس من ليصيبه قبلاً، وهل ثمة من سيرمي سلاحه ارضاً ويجنب البلاد المزيد من الازمات؟