تحرّك عون لتنظيم إستفتاء على الزعامة بالوسط المسيحي يُقابل ببرود ماروني وتجاهل وطني
يزيد من حدّة الإنقسامات بين اللبنانيين ويُطيل أزمة الإستحقاق الرئاسي
خيار الإستفتاء لدى المسيحيين الذي يسوّق له التيار العوني حالياً، هو خيار بلا أفق ولا جدوى منه..
يبدو أن التحرّك الجديد لزعيم «التيار العوني» النائب ميشال عون وفق ما يسميه بعض المقربين منه بالمبادرة لإيجاد مخرج لأزمة انتخابات رئاسة الجمهورية المسدود من خلال إجراء استفتاء في الوسط المسيحي لقياس نسبة ما يتمتع به عون وسائر الزعامات المارونية الأخرى وفي مقدمتهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من تأييد، للدلالة على حجم ومكانة كل منهم في سلم الزعامة المارونية في هذه الظروف الخلافية والمعقدة بالبلاد والمنطقة على حدّ سواء، يُقابل ببرودة خافتة في الوسط الماروني عموماً برغم من بعض المواقف التجميلية المغايرة من هذا الحزب أو ذاك للحفاظ على «مكتسبات» الحوار وما شابه، وبانتقادات واستهانة من باقي الزعامات وتجاهل تام من القيادات السياسية البارزة الأخرى، لأنها تعتبر أن مثل هذه التحركات لا تقرّب، ولو خطوة واحدة، باتجاه إيجاد مخرج لأزمة الاستحقاق الرئاسي كما يدّعي بعض منظري «التيار العوني»، مهما زُينت بعبارات وعناوين برّاقة من هنا وهناك، وأُلبِسَت إطارات وأشكال دستورية منافية للحقيقة والواقع، بل هي تشكّل محاولة مكشوفة لتهرب زعيم «التيار العوني» من مسؤوليته المباشرة بالتحالف مع «حزب الله» لتعطيل الانتخابات الرئاسية وخطوة إضافة لإطالة أزمة الاستحقاق الرئاسي وإدخالها في المجهول.
فلو كانت نوايا وأهداف «التيار العوني» صادقة باتجاه إيجاد مخرج لأزمة الانتخابات الرئاسية المتواصلة منذ أكثر من عام، كما يدعي بعض الذين يسوّقون لها لدى القيادات المسيحية التي يزورونها وخصوصاً النائب إبراهيم كنعان الذي يدّعي زوراً وبهتاناً إنها ترتكز إلى الدستور، لكانت «المبادرة» اتخذت طريقاً مغايراً لها وهو أقصر مسافة بكثير من تنظيم استفتاء لدى المسيحيين وأضمن، وتم توجيهها نحو كل اللبنانيين مجتمعين ومن خلال الالتزام بالنصوص الدستورية المدوّنة وليس المستحدثة وذلك بالحضور إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ووقف كل محاولات تعطيل النصاب والتهرب عمداً من حضور جلسات انتخاب الرئيس العتيد.
وفي اعتقاد أكثر من طرف سياسي فان اللجوء إلى خيار الاستفتاء لدى المسيحيين الذي يسوق له «التيار العوني» حالياً، هو خيار بلا أفق ولا جدوى منه، لأنه لن يؤدي إلى إثارة باقي شرائح وفئات الشعب اللبناني الأخرى فقط، بل سيزيد من إثارة الحساسيات الراكدة حالياً بين الزعامات والفئات المسيحية على اختلافها، أياً كانت الجهات التي ستشرف عليه ومهما كانت نتائجه وخصوصاً إذا اعتمدت آليات غير دستورية وجهات مشكوك بصدقيتها في تنظيم مثل هذه الاستفتاءات في ظل الخلافات والتباينات الحادّة التي تعصف بالمجتمع اللبناني حالياً والانقسامات السياسية القائمة بين مختلف مكوناته.
ويضيف هؤلاء أن الطرح العوني الجديد سيزيد من حدة الانقسامات حالياً في المجتمع اللبناني ويزيد من عزلة البعض عن بعضهم بفعل الخلافات السياسية القائمة والصراعات بالمنطقة، مشبهاً هذا الطرح بالقانون الارثوذكسي الذي تسبب يومذاك بخلافات لم يتم تجاوز بعض آثارها حتى اليوم، في حين أن المطلوب التخلي عن بعض المطالب والأنانيات الخاصة، والتعالي عن الحساسيات التي حكمت علاقات العديد من الأطراف اللبنانية خلال السنوات الماضية والبدء بصياغة صفحة جديدة من العلاقات بينهم تأخذ بعين الاعتبار التحديات والمخاطر التي تواجه لبنان من كل جانب والتركيز على مصلحة لبنان قبل أي مصلحة أخرى، لأن استمرار الخلافات القائمة على اساس المطالب الخاصة سيؤدي حتماً الى إطالة أزمة الاستحقاق الرئاسي الى أجل غير مسمى والولوج في أزمات مستتبعة أخرى ستنعكس ضرراً على بنية الدولة اللبنانية برمتها ووحدة العيش المشترك بين كل اللبنانيين.
ويعتبر هؤلاء أن همروجة التحرّك العوني الجديد التي تتخذ شعار الحفاظ على حقوق المسيحيين في الدولة، إنما هي محاولة مكشوفة لشد العصب المسيحي حول زعيم «التيار العوني» باعتباره يدافع عن هذه الحقوق، ولتوجيه رسالة معيّنة لمعارضي وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى من مختلف الطوائف، في حين يبقى الهدف الأساس تحقيق مصالح عائلية خاصة على حساب مصالح المسيحيين وهو وصول عون لرئاسة الجمهورية وصهره لقيادة الجيش.