Site icon IMLebanon

ترشيح عون بين هاجسَي جعجع وسلّة «حزب الله»

 

بدأت أجواء «القوات اللبنانية» داخل كواليسها العميقة تتفاعل في اتجاه استبعاد حصول انتخابات رئاسية في الفترة المنظورة أو حتى المتوسّطة.

المفاجأة التي صدَمت توقّعات الإدارة السياسية في معراب لجهة مبادرتها ترشيح العماد ميشال عون، تمثّلت في خطأ اعتقادها أنّ «حزب الله» سيتلقّف هذا الترشيح ويعمل على إقناع الرئيس نبيه برّي به، والذي بدوره سيقنع النائب وليد جنبلاط، وهكذا تكتمل النواة الصلبة لتمرير انتخاب عون، وهو الأمر الذي افتقدته مبادرة الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية.

ولكن، يتّضح لمعراب الآن أنّ اللغم نفسه الذي انفجر بعربة مبادرة ترشيح فرنجية، انفجر بعربة تأييد «القوات» ترشيح عون. ويتبيّن أيضاً أنّ موقف «حزب الله» من الاستحقاق الرئاسي كان بمثابة كتاب لم يقرأه جيداً لا جعجع ولا الحريري.

في الحزب، يقولون إنّ الفكرة الاساسية وراء إطلالة أمينه العام السيد حسن نصرالله اليوم هو ردّ السهام التي تحاول إحراج علاقته بحليفيه المسيحيّين جراء وضعهما في مواجهة بعضهما البعض، وتعمّد أن يطلب من نصرالله أن يكون الحكم بينهما وأن يبادر إلى حسم تنافسهما لمصلحة أحدهما.

خلاصة ردّ حارة حريك تقول إنّ الحزب المتمسك أخلاقياً وسياسياً وحتى دينياً بمبدأ عون أولاً للرئاسة، ليس مضطراً عند كلّ مستجدّ في انتخابات الرئاسة أن يخرج أمينه العام ليؤكد تمسّكه بخيار عون أوّلاً، كما أنه لا يرى أنّ من صلب دوره إقناع أحد حليفيه المتنافسين بالانسحاب للآخر، ولا التدخل لدى حلفائه المحلّيين من أجل تبنّي ترشيح أحدهما. فالجهات الخارجية او الداخلية التي تبنّت متأخّرة مبادرتي ترشيحهما، عليها القيام هي نفسها بهذا الدور سواءٌ لمصلحة فرنجية أو عون.

نوعان من المطالب

ثمّة معلومات تؤكّد أنّ هناك رؤية للحزب ذات صلة بنظرته لانتخابات رئيس للجمهورية ولها منزلة الثوابت بالنسبة اليه، وهي تتكوّن من نوعين من المطالَب تريد من أيّ صفقة ترشيح لرئاسة الجمهورية أن تأخذها في الاعتبار:

الأولى، تخصّ التفاوض على رئيس جمهورية من «٨ آذار» في مقابل رئيس حكومة هو حصراً سعد الحريري. في هذه الحال يريد «حزب الله» من الحريري أن يُعيد التزامه بموجبات تفاهم «السين – سين» القديم، علماً أنّ ثمّة نقاطاًَ في هذا التفاهم انتفَت بفعل تقدم الزمن والأحداث عليها، وبقيَ منها ثلاثة بنود تقريباً: وقف تمويل المحكمة الدولية، قانون انتخاب جديد، الإقرار بأنّ جدول اعمال مجلس الوزراء يوضع بالتفاهم المسبق.

النوع الثاني من المطالَب، يخصّ صفقة تؤمّن رئيس جمهورية من «٨ آذار» مع رئيس حكومة، غير الحريري، وهنا المطالَب تصبح ميّالة لأن تكون متواضعة.

ويتّضح من هذه الرؤية المخبأة في أدراج حارة حريك لصفقة الرئاسة الاولى، أنّ قضية شروط الحزب لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، تشكل بنداً مركزياً بين مجمل بنودها.

وكان النائب محمد رعد عبّر عن هذه النقطة، ولو بشكل غير مباشر عندما قال بعد تصاعد الاشتباك الإيراني – السعودي على خلفية إعدام الشيخ نمر النمر: لم يعد هناك مكان للحريري في البلد، وجاء لاحقاً تصويب لكلامه من الحزب ركّز على أنّ المقصود هو عودته إلى رئاسة الحكومة.

وتكمن مشكلة «حزب الله» مع مبادرتَي جعجع لمصلحة عون، والحريري لمصلحة فرنجية، في أنَّهما لا تلبّيان مضمون رؤيته لسلة مطالبه للصفقة الرئاسية الاولى المطلوبة والمتصلة استدراكاً بالرئاسة الثالثة.

رواية «القوات»

أما على ضفّة «القوات اللبنانية»، فهناك أيضاً سلّة موجبات مستجدة تُحدّد رؤيتها لصفقة الرئاسة الاولى. وتمّ صوغها كردة فعل على ترشيح الحريري لفرنجية، وقبل ذلك كانت نظرة «القوات» لهذا الاستحقاق غير مركبة وتقوم على معادلة بسيطة: ترشيح جعجع في مقابل عون تمهيداً لسحب الترشيحين.

وفي الأيام الماضية، سمع قريبون من كواليس معراب رواية «القوات» الكاملة لوقائع مسار وصول كلّ من الحريري وجعجع لخياريهما الانقلابيين بقبولهما ترشيح شخصية من «٨ آذار» إلى الرئاسة ووصولهما للحظة افتراق خياراتهما تجاه الشخص المرشح.

وتكشف هذه الرواية عن المفاصل الاساسية التي مرّت بها طبخة الرئيس العتيد وصولاً إلى اللحظة الراهنة:

أولاً – تؤكد رواية «القوات» أنّ معراب حريصة جداً على عدم إصابة تحالفها مع تيار «المستقبل» بأضرار استراتيجية، وأنّ علاقتها مع الرياض لم تهتزّ كما شاع بعد تأييدها ترشيح عون.

وفي الأساس تؤكّد رواية «القوات» أنّ السعودية لم تضع فيتو على اسم عون شخصياً. فالسياسة السعودية في لبنان لديها موقفان ثابتان، هما حفظ الاستقرار وحفظ «الطائف». وموقفها من عون تمّت صياغته على أساس محاكمة موقفه من «اتفاق الطائف» الذي لم يوافق عليه عند إبرامه واستمرّ ينتقده بعد ذلك.

الخلاصة التي تريد «القوات» الإضاءة عليها في هذا المجال هي أنّ الفيتو السعودي ليس على أشخاص بل على مواقف. وعليه تعتقد معراب أنّ بيان النقاط العشر الذي تلاه جعجع في احتفال تأييده ترشيح عون تضمَّن التمسك بـ»الطائف»، ما يعني عدم صحّة أيّ حديث عن وجود فيتو سعودي على ترشيح «القوات» لعون.

تُسهب مصادر «القوات» في مجال إبراز أنّ بيان النقاط العشر لم يكن مشهداً شكلياً داخل مبادرة ترشيحها لعون بل إنه جوهري وأساسي. وتقول إنّه طوال اللقاءات بين مسؤول جهاز الإعلام والتواصل ملحم رياشي والنائب إبراهيم كنعان لصوغ ورقة النوايا القواتية – العونية، بقيَ رياشي يرفض بشدة إقحامَ رئاسة الجمهورية في البحث، وذلك حتى لا تتوهّم الرابية بأنّ هذه المفاوضات تضمر هدف إيصال عون الى بعبدا.

ولكن بعد «مقترح» الحريري بترشيح فرنجية، ساد توجّسان لدى جعجع قلبا معادلة مقاربته لأهداف حواره مع «التيار الوطني الحر»؛ الأوّل نتج عن تقديره بأنّ فرنجية المقيم سياسياً على كتف بشري، سيستطيع في حال سُمح له بالوصول الى بعبدا، بمحاصرة مشروع «القوات» داخل ديموغرافيا مسيحيّي الشمال.

وثانياً لأنّ وصوله يؤدّي الى تمديد الوضع السياسي اللبناني الداخلي ست سنوات مقبلة، ويحرم «القوات» الرهان على حدوث تغييرات سياسية داخلية بنيوية تقلّل من ثقل نفوذ العائلات السياسية داخل نادي الزعامة اللبنانية.

ثانياً – النقطة الاساسية الأخرى التي تريد مصادر معراب تأكيدها، هي أنّ فكرة ترشيح فرنجية وُلدت على أيدي الحريري، وليس صحيحاً أنها صُنعت في السفارة الاميركية على أيدي السفير ديفيد هيل.

وتؤكّد أنه ضمن كواليس عربية خليجية كان مطروحاً لتجاوز تعقيد إيصال عون لرئاسة الجمهورية، سلّة من خمسة أسماء لانتقاء احدهم لترشيحه وحلّ الشغور الرئاسي… وعندما ذهب جعجع الى الرياض ناقش لائحة المرشحين، وشطب منها اسمين، وعاد الى بيروت وفي ذهنه أنّ ملاحظاته السلبية على الاسمين أُخذت في الاعتبار. ولكنّه فوجئ لاحقاً بخبر ترشيح الحريري لفرنجية الذي نزل على «رأس معراب كالصاعقة».

وهنا تحوّلت قيادة «القوات» الى خليّة لا تهدأ، وذلك بهدف استنباط حلّ عمَلي يُعطل ترشيح فرنجية. وبعد جدل طويل لم يكن دائماً سهلاً، اتخذ قرار حرفيته «ترشيح عون انطلاقاً من مبدأ التمسك بالطائف». وتمّ تجسيد روحية هذا القرار من خلال إطلاق ترشيحه على أساس بيان النقاط العشر، الذي حاولت معراب إقناع عون بالموافقة على إدراجه ضمن خطاب القسم الذي سيتلوه في حال انتخابه.

وأخذ هذا الأمر كثيراً من الأخذ والرد بين عون وجعجع، إذ كان عون يعتزم في البداية لحظة إعلان معراب ترشيحه إلقاء كلمة مقتضبة يشكر فيها التأييد القواتي، لكنّ جعجع أصرّ على إعطاء بيان النقاط العشر مكانة أساسية في كلام عون من معراب. ولم يتم التوافق على النقاط العشر إلّا في ساعة متأخّرة من ليل الأحد السابق ليوم الاثنين الذي شهِد ترشيح معراب لعون.

أضف إلى أنه لم يتم إنتاج حلّ وسط بين وجهتي نظر الطرفين حيال المكانة التي سيأخذها البيان داخل كلام عون بعد ترشيح جعجع له، إلّا قبل وقت قصير من دعوة الصحافة إلى حضور احتفال المصالحة والترشيح، وتحديداً خلال الخلوة التي ضمّت الوزير جبران باسيل والرياشي وكنعان وجعجع في معراب قبيل بدء الاحتفال.