IMLebanon

كلام في السياسة | خصوم عون مع إيران وفي انتظار 11 أيلول!

يروي سياسي وسطي على علاقة وثيقة بطرفي الصراع في بيروت، أن خصوم ميشال عون يعيشون هذه الأيام مفارقة سياسية ورئاسية لا تخلو من طرافة ومرارة. يقول إن هؤلاء لا يزالون عند موقفهم الأساسي الرافض لانتخاب عون رئيساً. وذلك لأسباب لا تحصى، تبدأ بالشخصي ثم السياسي الداخلي، وتمر بمفهمومهم للدولة ونظرتهم إلى توازن ــــ أو لا توازن ــــ الجماعات اللبنانية، وتنتهي بصراع المحورين الكبيرين في المنطقة.

يجزم السياسي المواظب على التشاور مع أقطاب الفريقين، بأن نظرية اقتناع هؤلاء بانتخاب عون رئيساً، ليست إلا مقولة تقع بين الوهم والمناورة. لكن، في المقابل، يجزم السياسي نفسه بأن خصوم عون يدركون تماماً أيضاً، بأنه في الظروف الراهنة، ثمة معادلة ثابتة لا تبديل لها، وهي إما عون رئيساً وإما استمرار الفراغ. لا احتمال ثالثاً قطعاً، وذلك لسببين واضحين ومتلازمين: أن حزب الله يستحيل عليه التخلي عن عون الآن، وأن إيران يستحيل عليها التخلي عن حزب الله الآن أيضاً. لذلك تراكبت تلك الحلقات العصية على الفك، من طهران إلى الرابية، مروراً بدمشق والضاحية… لكن، لكن، لكن… ثمة أمل لا يزال قائماً ههنا، بحسب ما ينقل السياسي الوسطي، عن خصوم المحور المذكور بحلقاته كافة.

يروي السياسي نفسه بأن خصوم عون يفكرون كالتالي: في أي سياق لبناني داخلي يمكن لحزب الله أن يمشي برئاسة ورئيس من دون عون؟ الجواب في حالة واحدة. عندما يصبح انقلاب عون على حزب الله، رداً على تخليه الرئاسي عنه، من دون تأثير لبناني وازن. بمعنى، أنه يستحيل على حزب الله أن يبتعد عن عون، في ظل الصراع السني ــــ الشيعي العنيف على الساحة اللبنانية. فهو لن يترك حليفاً مسيحياً وازناً، ليصير معزولاً مستفرداً في مواجهة خصمه السني. والأهم أنه لن يدفع عون نفسه إلى التحالف مع الفريق السني في ذروة صراعه معه. وبالتالي، ثمة حالة واحدة يمكن فيها لحزب الله أن يتخلى عن عون رئاسياً: حين يطمئن إلى أن لا صراع بينه وبين الفريق السني الخصم. وحين يصبح بالتالي انقلاب عون السياسي ـــــ رداً على انقلابه الرئاسي عليه ــــ من التحالف معه إلى التحالف مع السني، غير ذي معنى أو تأثير… يخلص السياسي الوسطي بالقول: يدرك خصوم عون إذن أن ترك حزب الله له، يقتضي تحالفاً واضحاً وثابتاً مع الفريق الحريري. لكن، ما الذي يجعل تحالفاً كهذا ممكناً؟

هنا ينتقل خصوم عون إلى المستوى التالي من البحث: هل يمكن لتفاهم حريري ــــ حزب اللهي أن يتم، بمعزل عن تفاهم مماثل على المستوى الإقليمي، أقله بين السعودية وإيران؟ طبعاً لا. وهو ما يطرح منطقياً السؤال التالي: ما الذي يجعل التفاهم ممكناً بين طهران والرياض؟ الجواب واضح: اتفاق أميركي ــــ إيراني. وحده اتفاق كهذا، يقنع السعوديين، برضى أو على مضض، بترتيب أمورهم وأمور المنطقة مع الإيرانيين. بعدها تنطلق سلسلة حلحلة الملفات الإقليمية. يطمئن الأميركي إلى أن غيوم الشرق الأوسط أنى أمطرت ستكون فرق زرعه وبذاره. فلا يعود قلقاً حيال تنافس على طاقة أو صعود الصين أو أفول أوروبا. حينذاك يصير السنة والشيعة متعايشين ضمن الباكس أميركانا. فيطمئن القيصر وتطمئن رعاياه.

لكن ما الذي يعوق اتفاقاً أميركياً ــــ إيرانياً كهذا؟ جواب خصوم عون، كما ينقلونه عن عرّابيهم الإقليميين، وكما ينقله عنهم السياسي الوسطي نفسه: اسرائيل. وحدها القيادة الصهيونية الحالية لا تزال العقبة دون إعلان الاتفاق المنجز بين واشنطن وطهران. وحدها اسرائيل تدرك وتعلن أن لا حصة ولا مصلحة لها في التفاهم المذكور. وحصة اسرائيل من تسوية بهذا الحجم، تتراوح بين حدين أقصى وأدنى. الحد الأقصى الذي تريده اسرائيل من تسوية أميركية للصراع السني ــــ الشيعي في الشرق الأوسط، هو أن تكون في صلبه. جزءاً منه. أن تندرج ضمن التسوية في وجودها وكيانها ودورها وعلاقاتها مع الطرفين ومع المنطقة. أي العودة إلى مفهوم الشرق الأوسط الجديد الذي نظّر له شيمون بيريز وحاولت كوندوليزا رايس ذات مرة طبخه بالحديد والنار. هدف مرتفع السقف طبعاً. وطبعاً تدرك واشنطن والقيادة الصهيونية استحالته. يبقى حد أدنى لعمولة اسرائيل من اتفاق محتمل بين واشنطن وطهران: سلاح حزب الله. بمعنى، حين يزعق بنيامين نتنياهو في الكونغرس، هذا تماماً ما يقصده. يبتز باراك أوباما بمعادلة من نوع: إما أن تجعلنا شركاء في مغانم تسوية الصراع السني ــــ الشيعي، لتكون تسوية ثلاثية ضلعها الثالث صهيوني. وإما أن تعطينا جائزة ترضية أمنية ــــ سياسية عنوانها بتر أذرع حزب الله. وإما أن نستمر في عرقلة مشروعك!

هكذا تقفل حلقة المأزق الفكري ــــ السياسي لدى خصوم عون: كي ننتهي منه، يجب أن يتم الاتفاق بين حزب الله والحريري. وليتم اتفاق كهذا، نحتاج إلى تفاهم إيراني ــــ سعودي. ومن أجل التوصل إلى تفاهم على هذا الصعيد، مطلوب إرضاء اسرائيل، إما بالسلام معها، وإما بنزع آخر عوامل الحرب ضدها. لكن إيران لا يمكن أن تسلّم بذلك الآن. مما يعيد تفكيك حلقات الدائرة إلى النقطة صفر. ما الذي يمكن أن يكسر هذا المأزق؟ يقول السياسي الوسطي نفسه: يفكر خصوم عون أن احتمالاً واحداً وحيداً يمكن أن يحدث الخرق في الجمود القائم: عملية إرهابية كبرى. وتحديداً ضد أميركا بالذات. خطأ كبير من قبل “داعش” أو مثيلاتها، ضد واشنطن أو ضد مصالحها المباشرة في المنطقة: بيرل هاربور، أو “يو إس إس كول”، أو 11 أيلول، أو حتى “شارلي هبدو” أميركية، أو أي شيء مماثل. اعتداء على أمن أميركا، يسمح للبيت الأبيض بأن يقول لنتنياهو، أو لخلفه بعد 17 آذار، أن اسمحوا لنا. أمننا الوطني على المحك. نحن ذاهبون إلى اتفاق مع طهران، ضد “داعش” وضد الإرهاب، شئتم أم أبيتم. فتفضلوا وتكيفوا معه ومعها ومعنا. بعدها تكر السبحة. تتفق طهران مع الرياض. فيتفق حزب الله مع الحريري. فيقدر الأول على الاعتذار من عون. وينتخب رئيس جديد للجمهورية!

مطلوب إذن شرق اوسط جديد أو 11 أيلول ثانٍ على الأقل، للتخلص من عون رئيساً. ثمن هائل. زلزال دولي. مجهول معمم تهرباً من معلوم محدد… لماذا ركوب الرأس إلى هذا الحد؟! فلننتخبه رئيساً ولننه المسألة… هكذا بدأ بعضهم يفكر.