خمسة أشهر على التأسيس. كان ذلك قبل أيام على الانعطافة الكبرى التي تمر بها البلاد مع انتفاضة 17 تشرين. ربما جاءت التطورات لصالح المعارضة العونية أو هي وفرت لها فرصة حشد التأييد لقضيتها، لكنها في الواقع تبدو في مرحلة ترقب في الوقت الذي تبدو فيه قضيتها متخطية لخصومتها الى درجة العداء بين بعض أركانها، مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
لا شك أن أخصام باسيل سعدوا بتهشيم صورته بين كثيرين في الانتفاضة التي وضعته على رأس المُطالبين بالرحيل تحت شعار «كلن يعني كلن». كان ذلك في الأسابيع الاولى للإنتفاضة. قبلها، أطلق هؤلاء، ومنهم شخصيات ذات تاريخ ومؤسسة في التيار، حراكهم خلال مناسبة تستدر العواطف العونية: قداس دعا إليه «رفاق شهداء 13 تشرين» في كنيسة الصعود في الضبية، وذلك قبل 24 ساعة من الإحتفال الرسمي لقيادة التيار في الحدت.
تجمّعت وراء الحدث شخصيات ذات ثقل ومتعاطفون لعل أبرزهم العميد شامل روكز الذي يبدو محافظا على حيثية خاصة تتحرك بتمايز عن «المعارضة»، بينما تستمر الوجوه نفسها التي أطلقت التيار المعارض رسميا تحت إسم «التيار – الخط التاريخي»، وهي تسمية أرادت بذكاء صبغ التحرك بالعراقة والتأسيس ونزع الشرعية عن باسيل نفسه.
لكن الرئيس «الشرعي» لـ«التيار الوطنر الحر»، الذي لا تنقصه الحنكة، تعاطى بصبر مع المحنة التي وجد نفسه فيها في البدء خلال الاعتراض الشعبي عليه كما على السلطة على وجه العموم، قبل الخروج رسميا من الوزارة مع تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، ليعيد رسم خيوط التشكيل من وراء الستار محتفظا بموقعه «الرجل القوي» في العهد ومدعوما من دون تحفظ من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، وهو أمر يقره المعارضون على مضض.
مع مرور الأيام على التأسيس، وبينما لم يكن لتلك المعارضة الحضور الكبير على الساحة باستثناء بعض الحضور الإعلامي بين الفينة والأخرى، وليس تحت عنوان المعارضة، فإنها تبدو مراهنة على الوقت الذي سيكون كفيلاً بانفضاض كثيرين عن باسيل مع زيادة الوعي بأحقية قضيتهم. لذا، لا أهمية هنا للعبة الأعداد في ظل ظروف صعبة كهذه، فقد جاهد التيار نفسه ليكسب شعبيته بعد أن انطلق من قلة قليلة في الماضي.
حذرنا ممّا يحصل
على أن هؤلاء لا يرغبون في «شخصنة» القضية. لقد باتت مرحلة باسيل وراءهم. البلد يمر في أزمات كبرى، إقتصادية وإجتماعية ومعيشية وسياسية، بات التفكير معها في كيفية إنقاذ لبنان برمّته وهي قضية أكبر وتمس مستقبل الجميع.
يحلو للمعارضين التذكير بأن الأسوأ الذي حذروا منه مرارا منذ سنوات قد حصل اليوم بما آلت إليه أوضاع البلاد. لا بل أن التحذير موصول لما يحدث منذ تشكيل الحكومة عبر عودة الأمور الى ما كانت عليه سابقا مع تسويات مصلحية بين أركان السلطة، وهو ما بدا في ملفات مختلفة مثل التشكيلات القضائية والكهرباء والإتصالات وغيرها مما هو مقبل مثل ملف النفط.
بين هؤلاء انتقادات لجميع أركان السلطة ضمنها المبطن لدعم العهد لباسيل «الذي تدفع البلاد اليوم ثمنه»، لكن المعارضة العونية تبدو مراقبة لمجريات الأمور أكثر من كونها مُبادرة فيها. هو إذاً رهان على الوقت، وفي الأفق ملامح إعادة انطلاقة للانتفاضة الشعبية ينتظرها هؤلاء. وبذلك، يطرق هؤلاء النظر نحو البعيد، في اتجاه الاستحقاقات الشعبية التي ستُحاسب المفسدين في السلطة «التي باتت الدولة معها كالبقرة الحلوب التي جفّت».
لعله استباق للأمور حتى تواريخ الاستحقاقات الشعبية ومنها الانتخابات النيابية، ويبدو المعارضون متوائمين مع الانتفاضة الشعبية، وهو أمر، للمناسبة، شبيه بحال أركان السلطة الذين تماهوا شعاراتياً بـ«الثورة». ويراهن المعارضون على تقدم شعبي كبير في صفوف المنتفضين على السلطة، ويذهب البعض الى حد اعتبار أن المعركة اذا خيضت بأسس احترافية ووحدوية في البرنامج والعمل واللوائح، وبـ«مزيج من التواضع والذكاء»، ستحقق تقدما نوعياً لمعارضي السلطة وفي إمكانها إزاحة ثلاثة أرباعها!
على أن واقعية المعارضين العونيين تدفعهم الى عدم تحميل التيار الرسمي كل موبقات ونتائج ما حدث في البلاد حتى الآن. ويعلق أحد هؤلاء على ذلك بالقول أن «كل أحد يتحمل المسؤولية بمقدار توقيعه أو سكوته عما جرى».
وبذلك، يشرع هؤلاء العونيون في تعزيز علاقاتهم وصلاتهم. أما لناحية سحب البساط من تحت أقدام باسيل والتيار الحر خاصة في الشارع المسيحي، فهي مهمة جد صعبة يعلمها الجميع.
والحال أن مهمة المعارضين في التحول الى قطب على الساحة غير واقعي في هذه اللحظة، ذلك أن تجمعهم لم يطور آلياته لتكوين حالة شعبية كبيرة متماسكة تخوض المعارك جدية. وبينما يحتفظون بعلاقات حسنة لا يريدونها «مصلحية» مع الركنين الأكبرين بعد التيار على الساحة مثل «القوات اللبنانية» و«الكتائب» على سبيل المثال لا الحصر، يدعو البعض الى الاتعاظ من الماضي ومن تحالفاته ولعل أبرزها اتفاق معراب المُجهض.
حكومة غير جديّة
أما عن ماهية المستقبل، فالمعارضة في حالة ترقب، تستعد للزلزال المقبل لا محالة.. بواقعية. هي تماهت سابقا مع حراك شعبي رأت فيه بارقة أمل للبلد، فنادى بعضها بـ«حكومة شجعان» لكنها لم تأت، وحلّت بدلا عنها حكومة «غير جديّة» أو «غير قادرة» على اجتراح الحلول، والنتيجة واحدة.
في هذه الأثناء، سيستمر تحييد شخصية المؤسس الرئيس ميشال عون الذي لا زال بالنسبة إلى هؤلاء قائد مسيرة التحرير، لكن الغصة تبدو جليّة لدى كثيرين مما آلت إليه الأمور في التيار مع «الخلف المُطوّب» عليه. أما عن تطويب هذا «الخلف» على رأس الرئاسة، فهذا شأن آخر كلياً، فالظروف حتى ذلك الحين هي من ستحكم في هوية الرئيس، ناهيك عن شعبية هذا الوريث التي لن تستمر بنظرهم على هذا المنوال.. فلما التشاؤم؟