مواقف عون للداخل والخارج لمحو سوء الأداء السياسي لحادثة «قبرشمون»
التملُّص من الإستراتيجية الدفاعية رغم الوعود ورفض تطبيق بعض «بنود سيدر»
يحاول رئيس الجمهورية ميشال عون منذ انتقاله إلى مقر الرئاسة الصيفي في قصر بيت الدين منذ أيام، إطلاق سلسلة مواقف سياسية مدروسة، بعضها محلي والآخر إقليمي ودولي وتتضمن رسائل متعددة في أكثر من اتجاه في هذه المرحلة الحسّاسة والدقيقة التي تمر بها المنطقة عموماً.
ويلاحظ ان المواقف التي أطلقها الرئيس عون للداخل، تشدد على إعادة ترميم العلاقات مع الأكثرية الدرزية التي يمثلها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في الجبل تحديداً بعد الندوب الحادّة التي اصابتها جرّاء حادثة «قبرشمون» المؤسفة نهاية شهر حزيران الماضي والسعي لإحياء الثقة المتآكلة بين هؤلاء وجمهور «التيار الوطني الحر» ومنع تفاعلها نحو الأسوأ ولا سيما بعد لقاء المصارحة والمصالحة الذي رعاه في قصر بعبدا لإنهاء الأزمة السياسية التي تسبب بها تشبث حليف التيار، النائب طلال أرسلان ووقفت حائلاً دون انعقاد جلسات مجلس الوزراء لما يقارب الأربعين يوماً بسبب مطالبته بفرض إقرار إحالة الحادثة المذكورة على مجلس الوزراء، وهو شرط لم يتحقق بسبب الرفض المطلق من قبل جنبلاط وفريقه الوزاري وحلفائه السياسيين.
ولا شك ان مثل هذه المواقف المهدئة ضرورية لتبريد المواقف واستكمال عناصر المصالحة والانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات المنظمة بين كافة الأطراف المتخاصمين في الجبل والسعي المستمر لتجاوز ذيول ما حدث نهائياً وعدم تكراره تحت أي مبرر كان، في حين ان التركيز على علاقة الرئيس عون مع صهره الوزير جبران باسيل والاشارة إلى حريّة تعاطيه السياسي وتصرفاته مع الأطراف الآخرين انطلاقاً من كونه أكبر رئيس تكتل سياسي في لبنان حسب قوله إلا محاولة للإيحاء بصوابية هذا التعاطي، والتأكيد على دعمه في أسلوبه بالرغم من كل الانتقادات التي توجه له من أكثرية الأطراف السياسيين وفي أكثر من مناسبة ولا سيما ما حصل قبل حادثة «قبرشمون» وبعدها.
لم تقتصر مواقف ورسائل الرئيس عون عند حدود لملمة تداعيات حادثة «قبرشمون» وما تبعها، فكان الشق الاقتصادي الحاضر الأساس في هذه المواقف، من الجانب السياسي والاقتصادي معاً فيما سمي بورقة بعبدا الاقتصادية وما حيك عنها من وعود لرعاية تنفيذ بنودها، وكأن الاجتماع المذكور يُشكّل رديفاً لدور مجلس الوزراء المناط به مجتمعاً السلطة الاجرائية حسب الدستور، في حين تبقى مثل هذه الاجتماعات التي تناولت نقاطاً سبق وأن درستها وأقرّت بعضها الحكومة، لا تتعدّى الإطار التشاوري بين المعنيين.
ويلاحظ ان تناول الشق الاقتصادي الذي تضمنته مواقف الرئيس عون، شمل أيضاً موضوع تنفيذ قرارات مؤتمر «سيدر» وظهر تناقض واضح في ما يتعلق بمحاولة التملص من تنفيذ بعض الشروط والالتزامات التي تعهد بها لبنان في هذا المؤتمر، عندما قال رئيس الجمهورية إن هناك بعض الشروط لا يمكن تنفيذها وبصراحة بالرغم من الحكومة السابقة واللاحقة وافقت عليها واقر المجلس النيابي العديد من القوانين المتعلقة بهذا المؤتمر الذي يعوّل عليه لبنان لإعادة النهوض الاقتصادي والمساعدة في حل مشاكله الحالية.
اما الأهم فهو لدى سؤال رئيس الجمهورية عن موضوع الاستراتيجية الدفاعية وموعد الدعوة لمقاربتها وقوله «لقد تغيرت المقاييس الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن نضعها»، وهو ما معناه طي موضوع البحث في موضوع الاستراتيجية الدفاعية الذي تعهد الرئيس عون في أكثر من مناسبة بالدعوة إلى إطلاق حوار وطني بخصوصه منذ تسلمه لمسؤولياته الدستورية، وهو موقف اطلقه منذ قرابة العام لدى استقباله مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن الدولي روبرت ستوري كاريم بحضور السفيرة الأميركية في قصر بعبدا وفي موقف آخر قبل إقرار موازنة العام الحالي وبالرغم من وجود هذا النص في البيان الوزاري للحكومة الحالية.
هذه المواقف المتتالية باتجاه الداخل والخارج معاً، لا تخرج عن محاولة نفض الغبار السياسي والتداعيات السلبية التي علقت بالاداء السياسي للرئاسة الأولى جرّاء مقاربتها الخاطئة لحادثة «قبرشمون» والسعي لإعادة تلميع صورة باسيل المهتزة نتيجة فشله في فرض شروطه وتسببه المباشر بالحادث الذي كاد ان يخرج عن السيطرة لولا تداركه من العقلاء، والتوجه لنقل الخطاب السياسي باتجاهات وملفات أخرى، وقد يكون ذلك الهدف الأساس من كل هذه المواقف.