إذا كان في استطاعة “حزب الله” انتظار كلمة إيران في موضوع الانتخابات الرئاسية، فليس في استطاعة العماد ميشال عون ذلك وقد تقدّم في السن، وهو يخوض آخر معاركه الرئاسية تحقيقاً لحلمه في الوصول الى قصر بعبدا، وهو حلم راوده منذ كان رئيساً للحكومة، بل لنصف حكومة، مهمتها الاشراف على انتخاب رئيس للجمهورية، وكان يأمل في أن يتفق المجتمعون في الطائف على انتخابه رئيساً. وعندما تمّ الاتفاق على انتخاب النائب رينه معوض عمد بعد منتصف الليل إلى حل مجلس النواب، وبدأ حملة شرسة على اتفاق الطائف، ومن ثم رفض تسليم قصر بعبدا للرئيس المنتخب معوض وبعده للرئيس الياس الهراوي فدفع ثمن تعنّته نفياً إلى فرنسا بعد ضربة عسكرية سورية أخرجته من القصر، فخسر المعركة بعدما كان قد خسر حرب “تحرير لبنان” من الوجود السوري لأنها كانت أكبر منه، وخسر قبلها “حرب الالغاء” لأنّه استخفّ بها وتعامل معها كما كان يتعامل وهو فتى مع رفاقه في حارة حريك عند مطاردة أوكار الدبابير، كما قال لصديق له في حينه.
والسؤال المطروح هو: هل يربح العماد عون آخر معاركه الرئاسية فيصل الى قصر بعبدا ولا تبقى الرئاسة حرقة في قلبه؟
لقد قرع عون كل الأبواب لبلوغ غايته بدءاً بقوى 14 آذار، وعندما لم يجد تجاوباً منها انتقل إلى قوى 8 آذار ووضع مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله “ورقة تفاهم” لم توصله هي أيضاً إلى قصر بعبدا، فقرع عندئذ باب الرئيس سعد الحريري، لكن شموع “قالب الحلوى” في “بيت الوسط” لم تكن كافية لإنارة الطريق الى قصر بعبدا. غير أن “حزب الله” ظل الطبيب النفسي البارع في معالجة مصاب بمرض الرئاسة المزمن. ولم تمنع “ورقة التفاهم” مع “حزب الله” من أن يسندها بورقة أخرى مع “القوات اللبنانية” عُرفت بورقة “إعلان النيات” التي كانت مناسبة احتفالية أعلن فيها الدكتور سمير جعجع تأييد ترشح العماد عون للرئاسة منافساً للمرشّح سليمان فرنجية الذي كان الرئيس الحريري قد أعلن تأييد ترشّحه، علَّ شموع قالب الحلوى في معراب تكون أسطع نوراً من شموع قالب حلوى “بيت الوسط” في الطريق إلى بعبدا.
لكن لا أوراق التفاهم جعلت العماد عون يفهم أن الرئاسة بعيدة عنه، ولا شموع قوالب الحلوى أنارت له الطريق إلى بعبدا لأن حسابات “حزب الله” لا تنطبق على حسابات العماد عون، فاقتنع بأن الاستمرار في تعطيل جلسات انتخاب الرئيس سوف يجعل الطرف الآخر يقتنع بأن لا خروج من أزمة التعطيل إلا بانتخابه رئيساً. وعندما أصبح التنافس بين مرشّحين من 8 آذار هما عون وفرنجية، لم يفعل “حزب الله” شيئاً ليجعل أحدهما ينسحب للآخر، مكتفياً بقول السيد نصرالله فرنجية عندما زاره: “أنت وعون نور عيني…”. لكن نور العين ليس ورقة اقتراع توصل إلى بعبدا، وظل “حزب الله” يتهرّب من الانتخابات لئلاّ يجد نفسه في مأزق عندما يكون مطلوباً منه الاقتراع لهذا المرشّح أو ذاك.
والآن يكاد صبر العماد عون ينفد من الاستمرار في تعطيل جلسات الانتخاب من دون طائل، ويتحمّل أمام الرأي العام، لا سيما المسيحي، مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي المهدّد بشل كل مؤسسات الدولة، ولم يعد مقتنعاً بقول مسؤولين في “حزب الله” إرضاء له وانعاشاً لآماله: “إن الحزب سيظل ينتظر إلى أن تتوافر ظروف انتخاب عون رئيساً للجمهورية” من دون أن يعرف عون ومحازبوه متى تتوافر هذه الظروف… التي قد لا تأتي برئيس يشكّل انتخابه كسراً لأحد كما قال السيد نصرالله نفسه.
والسؤال الآخر المطروح أيضاً: هل يريد العماد عون أن تكون جلسة 23 آذار المقبلة حاسمة انتخابياً فيخيّر “حزب الله” بين حضورها أو الاستمرار في التغيب من دون جدوى كي يتخذ هو قراره المجهول حتى الآن وتكثر التكهّنات في شأنه؟ فمن قائل بأنه سينسحب من المعركة، الى قائل بأنه سيحضر جلسة الانتخاب المقبلة أو يستقيل من النيابة مع نواب كتلته ليفرض اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية، الى قائل بفكّ تحالفه مع “حزب الله” بعدما انتهى مفعوله، وتكريس تحالفه مع “القوات اللبنانية” سياسياً وانتخابياً لأن تحالفه مع الحزب لم يحقّق مصلحته ومستقبله في الوصول إلى رئاسة الجمهورية. أما تحالفه مع “القوات اللبنانية” فقد يحقق مصلحة “التيار الوطني الحر” ومستقبله وذلك بالعودة الى أجواء بيئته وعدم البقاء في أجواء بيئة أخرى يسير فيها عكس السير، حتى إذا ما خسر الرئاسة لنفسه فانه يربح المستقبل لحزبه بتحالفه مع “القوات اللبنانية” وربما مع غيرها أيضاً عندما تصبح النظرة واحدة الى لبنان السيد الحر المستقل، والى السياسة الداخلية والخارجية الواحدة التي يجب انتهاجها برؤية وطنية جامعة قد يوضحها العماد عون في كلمة له في ذكرى 14 آذار.