IMLebanon

اشكالية عون – بري أبعد من مرسوم؟!   

 

قد يكون من السابق لأوانه، الحديث عن مستقبل العلاقات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وما ستؤول اليه في ضوء التباينات، بل الاختلاف، في الرأي حول مسألة مرسوم ضباط دورة العام 1994 وما يحيط بها من غموض والتباسات واجتهادات راحت بعيداً، وصلت حد اعلان الرئيس بري الترحم على «اتفاق الطائف» وعلى الدستور، والعرف ومجلس الوزراء والوزراء؟ وتقبل التعازي في باحة ساحة المادة ٥٤ من الدستور؟!

يتفق الجميع على ان لبنان لا يحتمل مثل هذا الذي حصل بين الرئاستين الاولى والثانية، وهو على أبواب عام جديد، يحمل في طياته العديد من الاستحقاقات الاقليمية والداخلية، ومنها الانتخابات النيابية الموعودة في ايار المقبل؟! وان كان البعض يضع ما حصل في خانة التعبئة الشعبية المطلوبة للانتخابات وما بعدها؟! وإلا فما تفسير اعلان كل ما جرى على الرأي العام، وبالاعلام وكان الأجدى متابعته في لقاءات حوارية؟!

يخشى عديدون ان ينعكس هذا الذي حصل على الواقع الحكومي برئاسة الرئيس سعد الحريري، الذي يظهر يوماً بعد يوماً، شعوره والتزامه بالمسؤولية الوطنية الكبرى الملقاة على عاتقه، فينأى بنفسه عن هذه التجاذبات المفتعلة ويؤكد حرصه على مجموعة من الثوابت الوطنية التي من عناوينها التأكيد على ان اتفاق الطائف، الذي توج المصالحة الوطنية اللبنانية بعد حروب داخلية كادت تضيع البلد، هو (أي الطائف) «بألف خير.. وسنكون دائماً المدافعين الاوائل عن هذا الدستور..» كما ومن عناوينها التزام «الحوار الوطني» الذي من دونه لا أحد يعرف أين سيكون لبنان، والتجارب المريرة قبل الطائف كافية الدلالة على ان الحوار الوطني وسيلة وحيدة لحل الاشكالات السياسية وغير السياسية..

لقد أثبتت التجارب استحالة انتصار فريق على فريق، او الغاء أي آخر، فالازمة التي تتلطى وراء مرسوم الاقدمية، لا تستأهل كل الذي حصل، وما يمكن ان يحصل، على رغم عدالتها بنظر عديدين من المتابعين لها منذ العام ١٩٩٤ حتى اليوم..

اكتفى الرئيس بري في «لقاء الاربعاء النيابي» في عين التينة (أول من أمس) بما قاله يوم الثلاثاء في شأن موضوع مرسوم الضباط».. لكن ما لم يقله هو، قاله عنه وزراء ونواب حضروا «اللقاء» الذي غاب عنه، وللمرة الاولى، نواب «التغيير والاصلاح».

في قناعة متابعين لمجرى هذا الحدث، ان «شهر العسل» بين الرئيسين عون وبري قد يكون انتهى، لكن من دون جزم بأن التسوية المطلوبة سقطت وقد تتحول الى خلاف سياسي لا يمكن حصره.. لكن آخرين يؤكدون، ان لا مصلحة للفريقين في تكبير الحجر على هذا النحو، خصوصاً وأن أفرقاء نافذين لدى الجانبين بدأوا تحركاً بعيداً عن الاعلام، لضبضبة الوضع بعيداً عن «القضاء» وما يرمز اليه؟!

المعطيات المتداولة لا توحي بحل قريب، وفي المقابل، فإن ما ينقل عن «وسطاء الخير» يوحي بأن لا شيء مستحيلاً، والجميع يدرك دقة المرحلة والوضع في لبنان، وخطورة ما يجري في المنطقة، وتمسك العديد من الدول، وتحديداً الاوروبية منها، بالحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان والنأي به عما يجري في الخارج؟!

لتكن العلاقات مع الرياض بأفضل حالاتها

في خطوة لافتة، وبالغة الأهمية بالنسبة الى لبنان واللبنانيين، ان تحسم المملكة العربية السعودية مسألة العلاقات الديبلوماسية مع لبنان وقد أبلغت الخارجية اللبنانية موافقتها علي تعيين السفير فوزي كباره سفراً للبنان في الرياض.. بالتقاطع مع معلومات تفيد ان السفير السعودي في لبنان وليد اليعقوبي سيطلب موعداً لتقديم أوراق اعتماده للسلطات اللبنانية المسؤولة (الخارجية ورئاسة الجمهورية).

لا يختلف اثنان على ان اعادة العلاقات اللبنانية – السعودية الى مسارها الطبيعي بين البلدين، هو في مصلحة لبنان، كما في مصلحة المملكة، بالنظر الى العلاقات التاريخية الممتازة وتشابك المصالح بينهما وحجم الاستثمارات المتبادلة..

بعيداً عن الأسباب التي أدت الى هذا الجمود في العلاقات، فإن في قناعة عديدين، ومن أبرزهم الرئيس سعد الحريري ان الافرقاء اللبنانيين، على خلاف كبير جداً في الأمور الاقليمية وتحديداً مع «حزب الله» لكن ذلك لا يعني اننا غير قادرين على إقامة حوار من أجل مصلحة البلد وحل الأمور والخلافات العالقة والتي من بينها المواقف من المحاور الاقليمية المتناقضة.. ومن أبرزها المحور السعودي والمحور الايراني..

منذ عودته الى ممارسة مهمته في رئاسة الحكومة، وفي جلسة استثنائية لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري في بعبدا، أعلن، وببيان رسمي «ان الحكومة قررت، وبكل مكوناتها النأي بالنفس عن الصراعات العربية، وتجدد التمسك باتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني..» حيث أكد الرئيس الحريري، ان «سلامة لبنان وحمايته من الحرائق الامنية والمذهبية فوق كل اعتبار، ووحده النأي بالنفس قولاً وفعلاً يحميه..».

كرر الحريري مواقفه هذه أكثر من مرة، وهو يلتزم بها الى أبعد الحدود، مؤكداً تطلعاته الى مصلحة لبنان، «وأي فريق او حزب سياسي يريد استقرار لبنان ومصالحه إزاء العالم، ومصالح لبنان الاقتصادية مع دول الخليج والعالم العربي عليه ان يكون ملتزماً بتنفيذ وتطبيق واحترام سياسة النأي بالنفس»، التي هي «أمر مهم للغاية».. ولا يجب ان يدفع الشعب اللبناني ثمن بعض المغامرات التي قد تقوم بها بعض الاحزاب السياسية..

وبعيداً عن «السيناريوات» الغامضة والمتعددة التي رافقت اعلان الرئيس الحريري استقالته من رئاسة الحكومة وهو في الرياض، فإن الرجل يتعامل مع علاقات لبنان الخارجية، وتحديداً الخليجية العربية عموماً، من موقع الحرص على مصالح لبنان واللبنانيين.. وقد يكون البعض لم يفهموا خلفيات ما أقدم عليه من تسويات في المراحل السابقة، ولكنه، في العديد من المناسبات، أكد ان ما أقدم عليه، كان بهدف الحؤول دون انهيار البلد، حيث «المؤسسات تهترىء واتفاق الطائف مهدد بالسقوط هو وكل كيان الدولة..».

خرج الحريري عن نظام الوصايات والمحاور الاقليمية، لكنه في المقابل تمسك بوجوب «حل المشكلات مع أصدقائه وأشقائه، إن كان في السعودية او الخليج» فنحن على ما يقول الحريري: «نريد أفضل العلاقات مع المملكة لأنها لم تقصر يوماً مع لبنان..» مؤكداً وعده ان تكون العلاقات مع الرياض «بأفضل حالاتها..».