يستحيل على أي من الافرقاء السياسيين ادارة الظهر لانتكاسة العلاقات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، على رغم ما كان يقال ويشاع سابقاً عن افتقاد الرجلين للحمة بينهما، أياً كانت الأسباب والدوافع لذلك، بالنظر الى ما يمكن أن تتركه هذه »الانتكاسة« من تداعيات سلبية، ليس على علاقات المؤسسات ببعضها البعض فحسب، بل في الواقع البشري والسياسي والجغرافي في لبنان..
لقد تصاعد التوتر بين بعبدا وعين التينة، على نحو لم يكن يتوقعه أي أحد، وبسرعة زمنية لافتة، وقد انقطع خط التواصل بين الموقعين الرئاسيين والرئيسيين، ولم تفلح الوساطات، الظاهر منها والخفي، في تحقيق أي تقدم يذكر على خط اعادة الحياة الى هذا الخط، خصوصاً وأن كلا المرجعين متمسكان بمواقفهما المعلنة »ومن بعد.. ما ينبت حشيش« مشفوعاً بقلق وطني عام، من ان يصعق هذا التوتر الاستحقاقات الوطنية الداهمة، ولبنان على عتبة اجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل.. ويتحضر لانجاز موازنة العام 2018، ويعيش أزمة اقتصادية – معيشية تطاول الشريحة الأكبر من اللبنانيين..
يفتش الفريقان بـ»السراج والفتيل« عن المزيد من المسائل العالقة (كالكهرباء والنفايات مثلاً)، التي قد تتحول الى اشكاليات، على رغم ما قيل عن تقدم على خط الكهرباء (بعد اجتماع الوزير خليل وابو خليل).. خصوصاً وأن ليس هناك من »مرجعية« تفصل بين الرئيسين، حيث يتمسك الرئيس العماد عون بالاحتكام الى القضاء المختص، مقابل تمسك الرئيس بري بمرجعية مجلس النواب في حل أي اشكالية..
يرى عديدون ان الاشكالية مفتعلة أصلاً.. حيث أخذ الجدل حول مرسوم أقدمية ضباط دورة 1994 (دورة عون) منحى لم يكن متوقعاً ولم يكن يخطر في بال أي أحد.. بل »مغايراً للاصول ولما يخدم المصلحة الوطنية« على ما يقول رئيس الجمهورية، مؤكداً في بيان مكتبه الاعلامي (أول من أمس) مرة أخيرة (لاحظ أخيرة) موافقة رئيس الجمهورية على الرأي الذي تصدره الجهات القضائية المختصة في شأن المرسوم المشار اليه، حتى ولو كان مبطلا للمرسوم ولاغيا له ولمفاعيله، والذي يفترض ان يلقى موافقة والتزاماً من الجميع..«؟!.
لم ينم الرئيس بري على »ضيم« فسارع الى الرد قائلاً »ان الذي حصل ليس مجرد اشكالية قانونية في مرسوم يطعن به أمام مجلس الشورى، إنما مخالفة صارخة لقاعدة دستورية تسمى »مداورة الأصول«، معتبراً ان »اذا كان الامر يتعلق بتفسير ما، فإنما الاختصاص فيه يعود للمجلس النيابي دون سواه..«؟!
اللافت، وخلافاً لما يحاول البعض، فإن الرئيس عون – يرفض اعطاء المسألة بعداً سياسياً او »ميثاقياً« على نحو ما ذهب اليه الرئيس بري الذي يصر على ان المسألة تتجاوز الشكليات وهي »تمس روح الطائف« ولا يمكن القبول حتى لا تشكل ذريعة لتجاوزات أخرى مستقبلاً.. كما كان لافتاً ان الاعلام المقرب من رئيس المجلس النيابي، خرج عن قواعد البروتوكول، متهماً رئيس الجمهورية بالخروج عن خطاب القسم، واتفاق الطائف، والمصلحة الوطنية.. الامر الذي عزز مخاوف عديدين من ان يكون وراء هذه الاشكالية ما وراءها، كما عزز منسوب القلق من اطالة عمر الازمة ولبنان بدأ التحضير الفعلي لاجراء الانتخابات النيابية في ايار المقبل.. كما ودراسة اقرار موازنة العام 2018 اضافة الى مشاريع القوانين المتعلقة باستخراج النفط والغاز وانتاج الكهرباء..
يبقى السؤال الذي لم يلق اجابة من أحد، يدور حول ما يحكى عن وساطات بين الرئاستين – وقد غسل »حزب الله« يديه ونأى بنفسه عن هذه الاشكالية بين حليفيه – لاسيما وأن ما يحكى عن مسعى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم باء بالفشل.. وليبقى قيد التداول مسعى رئيس الحكومة سعد الحريري الذي وقف من الرئيس عون، في خلوة ما بعد جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي على حقيقة المواقف، وقد خلص الى قناعة بأنه يستحيل تبديل المواقف في المرحلة الراهنة، على ما تقول مصادر مقربة..
في قناعة البعض »ان الوساطات بين بعبدا وعين التينة ولم ولن تتوقف، والمراوحة السائدة جزء من تطلعات الموقعين، بانتظار ان تثمر هذه الوساطات عن حلول لأزمة مرسوم الاقدمية« الذي يستدعي العودة الى الأصول، خصوصاً وأن الرئيس بري عزز خياره بابلاغ قيادة الجيش ان المؤسسة العسكرية غير مستهدفة لا من قريب ولا من بعيد.. ولا بد من النأي بها عن السياسة وعدم الزج بها في مثل هكذا اشكاليات.. خصوصاً أكثر، ان »الأكثرية الساحقة من الخبراء الدستوريين والقانونيين يؤكدون ان تطبيق المادة 54 من الدستور ينص على توقيع وزير المالية على المرسوم المشكو منه«.
ينقل مقربون من الرئيس الحريري أن رئيس الحكومة يدرك دقة ما آلت اليه الأوضاع، ولا بد من المضي، او استئناف الجهود لمعالجة موضوع المراسيم، الذي يكاد يتحول الى اشكالية ميثاقية تطيح »اتفاق الطائف«.. لكن المسألة ليست على هذا القدر من السهولة، والمهمة التي سيقوم بها الرئيس الحريري للتوفيق بين رؤيتي بعبدا وعين التينة معقدة وشاقة، حيث ان المعطيات المتوافرة لا تفيد بأن أياً من الفريقين مستعداً – أقله حتى اليوم – لتسهيل الحل وان كان فريق الرئيس بري يرى ان المسألة أسهل كثيراً مما يتصور البعض وتتمثل بتوقيع وزير المال خلال دقيقة وتنتهي الاشكالية..