IMLebanon

عندما يتسلّح “حزب الله” بالصمت إزاء كلام عون

 

لا يخرج الباحث في اوساط “حزب الله” عن وقع مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على “الحزب”، بكلام سلبي عن عون. صار عدم الرد سلوكاً متبعاً يعمّمه “حزب الله” على نوابه ووزرائه على عكس “التيار الوطني الحر”، الذي لا يترك كبيرة او صغيرة الا ويهدّد بها عند كل منعطف او مشكلة مع الثنائي الشيعي. وكم من مرّة رفع ورقة تفاهم مار مخايل ملوّحاً بنهايته. على ان كلّه متوقع الا ان يخرج رئيس الجمهورية بمواقف من عيار الاستراتيجية الدفاعية واللامركزية الادارية والتعطيل والتلويح بالعلاقة بين “حزب الله” و”أمل”. ليس تفصيلاً ان يخرج عون على اللبنانيين بخطاب خصّص معظمه للتلويح لحليفه الشيعي واتهامه بالتعطيل عندما صار التعطيل في غير مصلحته.

 

يرفض “حزب الله” التعليق على كلام عون الا بالايجاب وهو بانتظار المواقف التي سيخرج بها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، والذي يتوقع ان ينتقل من المضامين العريضة لخطاب عون الى تفاصيل دقيقة ليحدد كيف سيكون الاتجاه والبناء عليه. ورغم المشكلة التي نشأت على خلفية “اللاقرار” للمجلس الدستوري فان لا قطيعة بين “حزب الله” و”الوطني الحر” والتواصل بينهما لا يزال قائماً.

 

وقد يفسر عدم التعليق على انه محاولة من “حزب الله” لاستيعاب الظروف التي يمرّ بها “التيار” وأزمته الحقيقية تجاه قانون الانتخاب، لانه قد يهدّد وضع رئيسه في دائرة الشمال الاولى فتعني خسارته ان وقعت القضاء على مستقبله كنائب ورئيس تيار ومرشح رئاسي. يربط “التيار” ما حصل في المجلس الدستوري بما شهدته جلسة مجلس النواب. وفي المجلس الدستوري كان يمكن تلافي الموضوع لو مارس “حزب الله” مونته على العضوين الشيعيين فيه حيث كان النقاش متوقفاً على صوت واحد، ولم يقتنع انهما غير محسوبين على “حزب الله”، في حين ان رئيس مجلس النواب نبيه بري رفض التدخل بالقرار بعد فشل التسوية. ترك بري للاعضاء الشيعة حرية القرار التي فهمت على انها نصيحة بعدم قبول الطعن. كان طبيعياً عندما تفشل التسوية الا يقدم بري ورقة لـ”التيار” في المجلس الدستوري. ورغم ما حصل فان باسيل لم ييأس من المحاولة، وهو اعتبر ان “اللاقرار” للدستوري لا يقفل الباب على امكانية تعديل قانون الانتخاب، لان “اللاقرار” يعني كأن اي قرار لم يتخذ وبالتالي فان المجلس الدستوري لم يحسم الجدل ويمكن معاودة طرح التعديل على النقاش مجدداً، والمجال من حيث الوقت يسمح بذلك لا سيما وان وزارة الداخلية حددت تاريخ الخامس عشر من ايار موعداً للانتخابات.

 

كان واضحاً ان مواقف عون انما تأتي بناء على قرار الدستوري، فخرج الرئيس غاضباً في خطاب وجّه خصيصاً لـ”حزب الله” ليتضمن تلويحات هي بمثابة تحذير للآتي من الايام. كان يمكن لمثل هذا الكلام ان يكون مجدياً في بداية العهد وليس في نهايته. في كلمته حدد عون أربعة بنود اساسية وهي الاستراتيجية الدفاعية وتدخل “حزب الله” في الخارج واللامركزية الموسعة وتعطيل الحكومة.

 

في الاستراتيجية الدفاعية، لا يشك “حزب الله” في حرص عون على سلاح المقاومة والدفاع عن لبنان، وان يبقى هذا السلاح مصدر قلق للاسرائيلي وهو من سبق وطرح الحرب الاستباقية في سوريا، ولا يشك ايضاً في ان اي طاولة حوار برئاسته لن تكون نتيجتها مسيئة للمقاومة، لكن وضع هذا الموضوع للنقاش بعد خمس سنوات من ولاية الرئيس ليتحول الى مادة للنقاش حول مستقبل المقاومة بيد “القوات” و”الكتائب” وعلى خلفية قرار الدستوري، هو مثار استغراب من ناحية التوقيت خاصة وان هذا السلاح ليس سبباً للازمات المطروحة راهناً.

 

أما في التعطيل فلطالما أكد “حزب الله” على لسان المسؤولين فيه انه ذهب اليه مكرهاً، لانه لم يجد حلّاً للاستنسابية التي يتعاطى من خلالها المحقق العدلي طارق البيطار. لكن المستغرب في حديث عون ان التعطيل ليس جديداً فالحكومة التي عطلت اعمالها لشهرين كان سبقها من قبل تعطيل مشابه لعامين ونصف، من دون انتخابات رئاسية للاصرار على انتخابه رئيساً، وتعطيل حكومة لأحد عشر شهراً على خلفية تعيين باسيل وزيراً للطاقة. يومها اعتبر التعطيل مبرراً فكيف له الا يكون كذلك اليوم؟

 

أما في اللامركزية الادارية الموسعة فهذه نغمة درجت على تكرارها شخصيات في “التيار الوطني الحر” من باب التهويل، وهم يعلمون ان تطبيقها مستحيل في بلد مناطقه مختلطة كلبنان. وهل تسمح مساحة لبنان بمثل هذا التقسيم؟ كان لنظرية كهذه ان تحصل لو كنا شهدنا مثيلاً لها حصل في سوريا او العراق او حتى ليبيا، فكان ذلك سيكون مساراً مرسوماً في المنطقة لكن التقسيم غير ممكن في لبنان لم ولن يحصل. اذا كان العقلاء في الجمهورية لمحوا الى اللامركزية ولوحوا بها، فما الذي سيبقى لناجي حايك، القيادي في “التيار”؟ وفي ما يتعلق بالحكومة فقد اعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي صراحة انه ليس بصدد الدعوة الى جلسة حكومية لانه يتجنب فتح مشكلة مع بري.

 

وفي العلاقة بين “حزب الله” وبري التي ألمح اليها عون فهي انعكاس لقناعة راسخة لدى “التيار” ان من يعطل الدولة ومن يعيق المحاسبة هو بري، وان “حزب الله” هو من يغطيه وتشكل هذه النقطة الخلاف الجوهري بين “التيار” و”حزب الله”، الذي كان واضحاً وصريحاً منذ توقيع تفاهم مار مخايل بالتأكيد على وحدة الصف الشيعي التي تشكل صمام امان للمقاومة ومتفقاً عليها بينهما. بعد كل تلك السنوات لم يستوعب “التيار” حساسية الموقف بالنسبة لـ”حزب الله”، والغريب انه طوى صفحة الابراء المستحيل مع “المستقبل” واقام اتفاق معراب مع “القوات اللبنانية”، وفشل في تدوير الزوايا مع بري والتفاهم معه على صيغة لإدارة البلد. لغاية اليوم لم يستوعب “التيار” ان “حزب الله” وفي كثير من القضايا لا يمون على قرار بري بالشكل الذي يتصوره، تماماً مثلما لا يمكنه ان يمون على “التيار”. عند كل مفترق لا يوفر “التيار” كبيرة او صغيرة الا ويفتحها في مواجهة “حزب الله”، ولم يعد خافياً ان في داخله اتجاهين، واحد يقول لا يمكن ولا نستطيع ان نكون جزءاً من محور المقاومة ولا نوافق “حزب الله” على ما يقوم به وان التفاهم بات عبئاًعلينا، ورأي آخر اكثر عقلانية يقول ان علاقة “التيار” مع الجميع باتت سيئة ومقطوعة فهل يمكنه خوض الانتخابات بمفرده؟ وهل نقوم بعملية انتحار ونرفض التفاهم ونحن لم نخرج منه في عز الازمة يوم تعرض باسيل للعقوبات؟ بالنقاط يتفوق “التيار” بالتسرع في اشهار غضبه بوجه “حزب الله” بينما يستعين الاخير على حليفه بالصبر والكتمان.

 

رغم كل تلك الملاحظات على كلام عون فان “حزب الله” وفق ما يتضح من مصادر مطلعة على مواقفه، يرفض التعليق بالسلبي متسلحاً بالصمت على تفاصيله. القصة ليست وليدة ساعتها فـ”الحزب” يترك لنواب “التيار” وشخصياته ان يقولوا ما يحلو لهم من منطلق الحريص على استيعابه وتخفيف التوتر على الجبهة المشتركة والمساعدة في ايجاد الحلول، والاهم هو استعداده لخوض الانتخابات معاً وتأمين فوزه بأكبر عدد ممكن من الاصوات.