لا تزال الغيوم ملبّدة أمام أي انفراج في التشكيل الحكومي ولعلها ستستمر طويلاً على تلبّدها قبل ان يزهر الربيع حتما بعد فك الاشتباك المنتظر إقليميا ودوليا وانعكاسه داخلياً.
هذا هو ما يُستنتج من استقصاء للمواقف المتعارضة بين بعضها البعض ولكن المتقاطعة حول نقطة مؤداها ان كل المساعي الحالية مصيرها التعثر، بينما يدفع اللبنانيون الثمن باهظا من حياتهم واقتصادهم، في الوقت الذي يتوجه الجميع فيه نحو الهاوية على أمل ان يسبقها التشكيل الحكومي لكي يمهد للحل واساسه الاصلاح على طريق جلب الاموال الى البلاد.
وسط «عجقة» مبادرات للتسوية الحل، تبرز مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري التي يعتصم مطلقها كما المتلقين لها، بالصمت حول مآلها والمراحل التي تقطعها، داخليا وخارجيا.
المبادرة التي تؤكد في ركنها الأهم على رفض حصول العهد، أي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، على الثلث المعطل أو «الضامن»، يتكتم رئيس المجلس ومحيطه، كما اللاعبين المعنيين بها، عن مساراتها حتى يتبين خيطها الابيض من ذلك الاسود، وذلك خشية اية عرقلة لها قبل الموافقة الاجماعية عليها او أقله على أركانها الاساسية.
على ان مبادرة بري، وان جاهر بها البعض، الا انها كانت معلومة من قبل العهد. وثمة من يعتبر ان الكلمات التي حملتها مقابلة رئيس الجمهورية مع جريدة «الجمهورية» ومواقف «التيار الوطني الحر»، قد نسفت مبادرة بري في مهدها بعد ان كانت على علم بها.
إجلس مع باسيل
تختصر وجهة النظر هذه واقع الحال برسائل عون الاعلامية الاخيرة، ورد الحريري عليه بقوله إن الرسالة وصلت ودعوته الى أن يرأف الله باللبنانيين. وبذلك فقد فهم الحريري الرسالة العونية بأن لا حل قبل جلوس زعيم «المستقبل» مع باسيل. واذا ما تقاطع ذلك مع رفض مستمر للعهد حتى كتابة هذه السطور، لأية حكومة من دون الثلث، أي الحصول على ستة وزراء بمعزل عن المقعد الوزاري الأرمني، يمكن استخلاص عدم قرب الحل.
وبغض النظر عن العثرات الكبيرة داخليا أمام الانفراج المأمول، الا ان أصحاب القول بأن اساس العرقلة للتشكيل الحكومي هي محلية فقط، لا يمكنهم المكابرة بعد اليوم واختزال الامور بمنحاها الداخلي.
يقول اصحاب وجهة النظر هذه إن الازمة ذات بعد خارجي واضح، وخاصة على الخط الاميركي الايراني، بينما تجمع طهران الاوراق قبل الشروع في مفاوضات مع واشنطن على الحلول في المنطقة. ومن ناحية الادارة الاميركية، فهي تريد كسر الجمود في علاقتها مع طهران لكنها غير مستعجلة لذلك، وهي تريد مقاربة الامور برزمة كاملة تلحظ شروطها على ايران داخليا وخارجيا لناحية دور طهران في المنطقة ومنها لبنان.
لذا ثمة من يقول إن الرؤية الاميركية للحل مؤداها ان لا تسوية مع طهران قبل الصيف المقبل، أي في شهري تموز أو آب المقبلين، بعد اجراء الانتخابات الرئاسية الايرانية في حزيران بأسابيع.
لكن رؤية العهد تؤكد ان تكبيل التسوية ناتج عن الفيتو السعودي عليه واستمرار استبعاد الرئيس سعد الحريري عن زيارة الرياض. ولعل تلك الرؤية تتخذ من جولات الحريري المتكررة للخارج ولقائه جميع اللاعبين المؤثرين باستثناء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أو حتى أي مسؤول سعودي. ويذهب هؤلاء الى التأكيد بأن الحريري قد طلب وساطة حتى للقاء السفير السعودي في لبنان وليد بخاري، ما ينفيه المحيطون بالحريري جملة وتفصيلا ويتقاطع معهم ديبلوماسيون مطلعون على الملف اللبناني يلفتون النظر الى ان رؤية السعودية للحل لا تخرج عن اطارها اللبناني العام وليس الشخصي مع زعيم «المستقبل».
ويشير هؤلاء الى ان الرياض قاربت ولا تزال الملف اللبناني عبر تأييد إعلان بعبدا والنأي بالنفس، ودعم تشكيل حكومة على اساس المبادرة الفرنسية التي تلحظ حكومة مستقلين واختصاصيين، وكما هو معروف بات الموقف الداخلي العام والخارجي رافضا لحصول أي طرف على الثلث المعطل فيها.
من ناحية الحريري، يؤكد من في بيئته ان لا رفض لزيارته الى الرياض وان الامر قد ضُخم كثيرا ووُضع في غير موضعه. فالسعودية لا تستقبل الزوار الرسميين وهذا ليس جديدا بل يعود الى أشهر مضت. وذلك باستثناء لقاءات ذات طابع ملح مثل التي حدثت خلال قمة العلا التي أسست لمصالحة مفترضة سعودية قطرية، ومثل استقبال ولي العهد السعودي أمس رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
إنطلاقاً من كل ذلك، تتقاطع المعلومات والتحليلات من الأطراف المتناقضة في البلاد، حول أن حالة من الغموض والترقب مستمرة حاليا اذا ما بقيت الامور على ما هي عليه، خارجيا وداخليا.