زار الرئيس ميشال عون مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان صباح السبت الماضي الواقع فيه ٢٩ كانون الثاني، في زيارةٍ هي الأولى له الى دار الفتوى منذ انتخابه رئيساً للجمهوريّة وقبل نهاية عهده المُتهالك بأشهُرٍ معدودة. فهل استفاق على دور الطائفة السنيّة الآن بعدما اعتبر أنّ تياره، الذي يقوده صهره جبران باسيل الطامح الى الرئاسة والطامع في السُّلطة، في حاجة إليها لتعويمه في الانتخابات المزمعة؟ اليس مستغرباً أن تأتي هذه الزيارة بعد اعتزال الرئيس سعد الحريري العمل السياسي؟
ومن على منبر الدار صرّح الرئيس عون أنّه لا يجد سبباً لتأجيل الانتخابات وأنّ الطائفة السنيّة مكونٌ أساسيٌ في لبنان، وأكّد لسماحة المفتي «على الدور الذي تلعبه الطائفة السنية الكريمة في المحافظة على وحدة لبنان وتنوعه السياسي واهمية المشاركة مع سائر مكونات لبنان في الحياة الوطنية والسياسية والاستحقاقات التي ترسم مستقبل لبنان وابنائه».
وعن اعتزال رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري العمل السياسي، علق الرئيس عون قائلا أنّه «لا نريد خروج الطائفة السنية من العمل السياسي في لبنان».
لمن مهّد للزيارة ولمن استقبل الرئيس عون في دار الإفتاء، نذكّرهم حين قال أنّ «السُنّة حيوانات وهم غرباء لا جذور لهم وعشاق للمال ومتطرفون جداً» ونذكّرهم أنّه لم يغالِ منذ تحالفه مع «حزب الله» في انتقاد السنّة في لبنان، وقادة الطائفة السنّية، لا سيّما الرئيس الشهيد رفيق الحريري. نذكّرهم بما يُسجّل عليه من ممارساتٍ لتطويق موقع رئاسة الحكومة في عدّة محطّات، بذريعة استرجاع حقوق المسيحيين وصلاحيات رئيس الجمهورية، منها التهديد بسحب تكليف رئيس الحكومة المُكلّف، وفرض حصّة وزاريّة له في الحكومات المتعاقبة، والإصرار على حصول تيّاره السياسيّ على الثلث المُعطِّل في الحكومات، وتفويض جبران باسيل ليقوم بمهام رئيس الجمهوريّة لجهة التشاور والتعاطي مع الفرقاء السياسيّين، وأخطرها إرساله تشكيلة حكوميّة الى الرئيس المكلّف فيها توزيع للحقائب على الطوائف والاحزاب، مع رسالة تشير فيها الى أنّه من المستحسن أن يقوم الرئيس المكلّف بتعبئتها، مروراً بمحاولة الاستيلاء على دور الحكومة عبر اللجوء الى عقد جلسات لمجلس الدفاع الأعلى.
ويبقى أنّ الطائفة السنيّة لا تحتاج الى شهادة في الوطنيّة من ميشال عون، أو من سواه، لتأكيد دورها لبنانياً واقليمياً، فالسنّة عمقُ الوطن ولم يتخلوا يوماً عن لعب دورهم الأساسي في لبنان. كما أنّ الطائفة مدركة مدى حقد عون عليها، وأنّ زيارته مناورةٌ مكشوفةٌ يحاول من خلالها أيهام الرأي العام أنّ مشكلته ليست مع الطائفة السنيّة، بل كانت مع الشهيد رفيق الحريري ومع سعد الحريري الذي سعى إلى إكمال مسيرة والده، خلافاً للوقائع التي تشهد أن الرئيس عون دأب على افتعال القيود والشروط والضغوط والعراقيل وزجّها في طريق رؤساء الحكومات عند التكليف والتأليف.
في الخلاصة، زيارة الرئيس عون الى دار الإفتاء ستبقى محصورة في إطارها البروتوكولي والرمزي ولن تكون لها مفاعيل سياسية ولن تبدّل من واقع الحال الذي يحاصر الانتخابات النيابية ترشّحاً واقتراعاً. وإذا كان سببها المستتر حاجة تيّاره الى أهل السنّة في الانتخابات ومحاولته تعويم تيّاره وصهره، فإن الزيارة المستهجنة لم ولن تحقق له مبتغاه، وستكون المشهد الأخير من مسلسلٍ قاتمٍ سينتهي مع اسدال الستارة على عهدٍ كانت حلقاته وفصوله جميعها سبباً في دمار لبنان.
كلمة أخيرة نقولها للحاقدين والكارهين أن احذروا شرّ الحليم إذا غَضِب.