يوماً بعد يوم، تلتف سلسلة القضايا والملفات العالقة والمتعثرة على رقاب اللبنانيين والدولة اللبنانية، وآخرها سقوط القانون الضريبي الممول لسلسلة الرتب والرواتب، بالضربة القاضية من المجلس الدستوري.. الذي أعاد رمي الكرة في ملعبي الحكومة ومجلس النواب.. وقد أحدث هذا القرار بلبلة في الساحات الحكومية والبرلمانية والنقابية وسائر المعنيين، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة سعد الحريري الى الاسراع في دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد سريعاً (أمس) وتعليق العمل بالسلسلة الى حين إقرار الموازنة العامة، على ما كان طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وأخذ وقتاً طويلاً للتوقيع على السلسلة، لتعود الأمور الى نقطة البداية وهو الذي يتوجه الى باريس اليوم في زيارة رسمية لعدة أيام يلتقي خلالها الرئيس ايمانويل ماكرون والعديد من القيادات الفرنسية.
المشكلة ليست سياسية وممثلو الكتل النيابية في الحكومة أجمعوا على توافق غير مسبوق من بندين اثنين:
– الاول: تأكيد الالتزام بسلسلة الرتب والرواتب، باعتبارها «حقاً مقدساً» لمستحقيه من العاملين في القطاع العام، من مدنيين وعسكريين..
– ثانياً: الالتزام بمقتضيات قرار المجلس الدستوري، وباجماع أعضائه، أبطال قانون الضرائب الممول للسلسلة لعدم مراعاته الأصول الدستورية، ولعدم اقرار موازنة عامة سنوية للدولة وعدم وضع قطع حساب لكل سنة، بما يشكل انتهاكاً فاضحاً للدستور لخرقه مبدأ المساواة ورده بالكامل الى مجلس النواب..
في قناعة العديد من المتابعين والمراقبين وأصحاب الاختصاص، ان قرار المجلس الدستوري لم يفاجىء كثيرين، بل على العكس من ذلك فقد كان متوقعاً، نظراً الى ان بند «شمولية الضرائب» جاء مخالفاً للمادة 83 من الدستور.. خصوصاً وأن الموازنة العامة للدولة لم تقر حتى الآن، والدولة تواجه المزيد من العجز، وبانتظار بتها لمعالجة الثغرات ومنها «الازدواجية الضريبية»..
ليس من شك في ان اجتماع الحكومة وفر مناخاً لمعالجة الازمة من أساسها، وتأسيساً على هذا، فإن عديدين، يصرون على ان اقرار مشروع موازنة العام 2017، بضم كل الموارد المطلوبة لتمويل السلسلة سيوفر المخرج القانوني المطلوب، ويوفر على لبنان أزمة بالغة الخطورة.. خصوصاً وأن لبنان، يعيش وعلى أكثر من مستوى وأكثر من صعيد أزمات أكثر خطورة تتجاوز فئة من المجتمع لتطال البلد بشكل كامل، ومن بينها السيناريوات التي تتراكم يوماً بعد يوم وتتحدث عن احتمال حرب إسرائيلية مفتوحة على لبنان.. وهي مسألة ستكون في أولى أولويات الزيارة التي يبدأها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى فرنسا اليوم الاثنين.
يشعر الرئيس عون، على ما ينقل عنه، بارتياح لقرار المجلس الدستوري، الذي جاء ليؤكد رأيه الذي تمسك بوجوب تضمين مقتضيات السلسلة المالية، قانون الموازنة العامة، ومع ذلك، فهو يرى ان المخاطر الحقيقية التي تهدد البلد في مكان آخر، وهو كان حذر ونبه من ذلك في كلمته البالغة الأهمية في الجمعية العامة للأمم المتحدة (الخميس الماضي) حين صوب على الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان، وخرقها المتمادي يومياً للسيادة اللبنانية وللقرار الدولي 1701، إضافة الى زرعها من حين الى آخر أجهزة تجسس في الأراضي اللبنانية.. وهي «انتهاكات ليست جديدة، فهذا ما دأبت عليه إسرائيل منذ سبعة عقود حتى يومنا هذا، وهي تسجل ما لا يقل عن مئة اختراق بري وبحري وجوي للسيادة اللبنانية كل شهر، ولبنان يتقدم بالشكاوى الى مجلس الأمن، من دون ان يتمكن هذا الأخير من ردعها..» على ما كان أعلن في كلمته من على منبر الأمم المتحدة.. يؤكد متابعون، ان هذه المسألة، إضافة الى الأوضاع الداخلية اللبنانية – عموماً – ستكون محور محادثات الرئيس عون في باريس، وقد مهّد لذلك الرئيس سعد الحريري في زيارته الأخيرة، ولقائه الرئيس ماكرون وآخرين.. وان كان لبنان، لايزال، خلافاً للعديد من دول المنطقة، ظل، وعلى مدى السنوات الماضية، بنعم بالاستقرار، وينجح في الحفاظ – على منسوب عال – على وحدته الوطنية، على رغم الخلافات على السطح التي هي في جزء كبير منها، نتاج تداعيات الأوضاع الاقليمية والحروب المشتعلة، وبتناقض المحاور الأساسية..
في قناعة الرئيس عون، ان العلاقات اللبنانية – الفرنسية ليست بنت اليوم، وهي تعود عشرات السنين الى الوراء، وتأسيساً على ذلك لا بد من اعادة الحياة الى هذه العلاقات القابلة للتطور والنمو أكثر من أي مرحلة مضت.. جملة عناوين ستكون محور محادثات الرئيس عون مع القادة الفرنسيين، من أبرزها التحديات والتهديدات الاسرائيلية المتمادية وهي تهديدات واعتداءات عمرها من عمر الكيان الاسرائيلي، بل ومن قبل ذلك، ونجاح لبنان في معركته مع الجماعات الارهابية، تعزيز قدرات الجيش اللبناني، ومواجهة أعباء النازحين والعمل على عودة آمنة لهم الى بلداتهم، إضافة الى تنشيط العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين..
وبمعزل عن الوقائع الداخلية المتباينة بين الافرقاء الأساسيين حول العديد من الملفات، فإن الرئيس عون، يعير اهتماماً بالغ الأهمية للعلاقات مع فرنسا، بديلا عن أية علاقات هشة مع الاميركيين، حيث تجلى ذلك في المواقف الأخيرة للرئيس الاميركي دونالد ترامب ودعوته الى توطين النازحين، وتجاهله الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، وحملته التي لا مبرر لها على «حزب الله» بالتقاطع مع التهديدات الاسرائيلية واغارة الطيران الاسرائيلي على موقع للحزب في سوريا وتهديد أكثر من قيادي إسرائيلي لبنان باعادته الى «العصر الحجري..»، وهو الكيان الذي لايزال يحتل جزءاً من الارض اللبنانية و»يرفض تطبيق واحترام القرارات الدولية ومنها ما ينص على حق عودة الفلسطينيين الى أرضهم التي اقتلعوا وهجروا منها ولجأ قسم كبير منهم الى لبنان..» وهي مسألة ستكون في صلب زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون الى واشنطن في وقت قريب، وهي التي كانت تأجلت في شهر آب الماضي لانشغال الجيش في معركة «الجرود»..