IMLebanon

زيارة عون السعودية بداية مرحلة تصحيح العلاقات  

مع انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني («استعادة الثقة») وبانتظار بت مسألة الانتخابات النيابية، ووفق أي قانون، يكون لبنان دخل مرحلة جديدة، يتطلع اليها اللبنانيون عموماً، بشيء من الأمل والانفراج السياسي والاقتصادي والاجتماعي وعلى الصعد كافة، ليبدأ في استعادة دوره الاقليمي والدولي، حيث يشهد لبنان اندفاعة ايجابية – غير مسبوقة على هذا القدر – عربية واقليمية ودولية لا بد من تحصينها والافادة منها بكل المعايير وتصحيح مسارها وقد تعرضت هذه العلاقات في جوانب عديدة منها الى خضات واهتزازات قاربت حد القطيعة.

لعل من أبرز ما يتطلع اليه اللبنانيون يتمثل في الزيارة الموعودة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى المملكة العربية السعودية تلبية لدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.. كمؤشر، او كمبادرة سعودية باتجاه لبنان، بأن الخلل الذي حصل في العلاقات، وكان من أبرز نتائجه اعلان الرياض وقف هبة الثلاثة مليارات دولار لتعزيز قدرات الجيش، قد انتهى، على الرغم من ان فريقاً لبنانياً أساسياً لايزال عند مواقفه السلبية ضد المملكة وهو مستمر في الحملات الاعلامية والسياسية على خلفيات اقليمية وايديولوجية ولا أحد قادراً على ايقافه عند حدود معينة تحفظ حقوق ومصالح لبنان واللبنانيين عموماً..

لم يعطِ «حزب الله» رأيه بعد.. ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع دعا الى «سياسة خارجية متوازنة وفعلية للنأي بالنفس..» وعديدون، بل الغالبية الساحقة من الافرقاء السياسيين اللبنانيين، كما ودول أوروبية (فرنسا تحديداً) نصحوا الرئيس العماد عون بتلبية الزيارة في أسرع وقت، وهو على قناعة من ان زيارته الرياض ستكون الأولى لزيارات خارجية، ومناسبة لإزالة العديد من الاشكالات التي حصلت في الفترة السابقة، لاسيما وأن المملكة لاتزال متمسكة بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة..

لقد وفر انتخاب العماد عون، كما تشكيل الحكومة الجامعة لغالبية الافرقاء السياسيين برئاسة الرئيس سعد الحريري «فرصة ذهبية» أمام العهد الجديد ليطل على الخارج بغير ما كانت عليه الأوضاع طوال السنتين ونصف السنة من الشغور الرئاسي وأوضاع البلد بين أيدي حكومة شبه معطلة، او عاجزة… وقد شجع رجال الاعمال اللبنانيون العاملون في السعودية وسائر دول الخليج الرئيس عون على هذه الزيارة وعدم ترك الأمور «لتفلت من اليد» من جديد.. الأمر الذي عزز لديه قناعة بأولوية الزيارة على ما عداها من زيارات الى الخارج..

في سلّم أولويات الرئيس عون هو اعادة الثقة بين لبنان والسعودية الى ما كانت عليه، حيث كانت الرياض الحاضنة للبنان في كل أزماته، وتعزيز العلاقات الثنائية مع بداية العهد الجديد وحكومته.. وليس من شك في ان المؤسسة العسكرية اللبنانية ستنال القسط الوافر من اللقاء، وعلى رأس اهتمامات العماد اعادة الحياة للهبة السعودية الموقوفة لتعزيز قدرات الجيش وامكاناته وتزويده بأحدث الأسلحة.. وهو – أي العماد عون – كان بحث مع قائد الجيش العماد جان قهوجي في هذه المسألة وتوغلا في التفاصيل ومراجعة الدولة الفرنسية بشأن الاسلحة المحجوبة ومن بينها صواريخ أرض – جو وأرض – أرض وأرض بحر كما والطائرات الحربية المعززة بكامل قدراتها.. «خشية تسربها الى «حزب الله»، على ما تقول معلومات أميركية..

لا أحد ينكر الدور المركزي الأساسي والسليم الذي تقوم به المؤسسة العسكرية، في ظل ظروف وتطورات في المحيط الاقليمي القريب والبعيد، بالغة الخطورة، وعلى رغم الامكانات الضئيلة فإن الجيش اللبناني، وبالتعاون مع سائر المؤسسات الأمنية، استطاع ان يحقق انجازات بالغة الأهمية في الداخل، كما على الحدود الجنوبية مع العدو الاسرائيلي والحدود الشرقية والشمالية مع الارهاب المتسلل.. وقد أبدت قيادة الجيش ارتياحاً للجهود التي بذلها الرئيس عون «لجمع الشمل وترتيب البيت الداخلي وترسيخ الوحدة الوطنية.. والشروع بورشة الاصلاح السياسي والاداري لوضع البلد سريعاً على سكة الأمان والازدهار.. وهي جهود تواكبها المؤسسة العسكرية بمزيد من السهر والجهوزية والاستعداد للتضحية في سبيل لبنان، سواء في مواجهة العدو الاسرائيلي على الحدود الجنوبية أم مواجهة الارهاب وخلاياه التخريبية على الحدود الشرقية وفي أي منطقة».

طبيعي ان الجيش، على ما قال العماد قهوجي، لن يتهاون على الاطلاق مع أي خلل بالأمن او التطاول على مؤسسات الدولة وهو بالكاد يمر أسبوع ولا يدفع فيه ثمن ذلك من أرواح أبناء المؤسسة. إلا ان الثقة بالنفس تحتاج الى مادة تعزز من القدرات، فبقدر ما تكون امكانات الجيش متقدمة بقدر ما تحفظ المؤسسة معنويات رجالاتها.. وعلى أهمية ذلك، فإنه من باب الاساءة الي العلاقات اللبنانية – السعودية حصر المسألة بالهبة – فالعلاقات بين الدول والشعوب هي علاقات مصالح بالدرجة الأولى، والرياض، خلاف غالبية دول العالم نأت بنفسها عن التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وتركت المسائل للبنانيين أنفسهم من دون ان يعني ذلك استخفافاً لما تحمله «العولمة».. وكأن لبنان لم يشهد في تاريخه البعيد والقريب أي شكل من أشكال التدخل الخارجي، وهي حافلة بالتدخلات.

ليس من شك في ان الوقت قد حان لاعادة الأمور الى وضعها الطبيعي، مع السعودية كما ومع سائر الدول العربية.. من دون ان يعني ذلك القفز فوق التباينات، فليس من السهل اجتراح الحلول والتسويات بغير «الحوار الوطني» الجاد والملتزم المعايير الوطنية، لاسيما بعد تشكيل الحكومة الجامعة التي لا تستطيع ان تدير ظهرها للمصلحة اللبنانية، وابقاء البلد مفتوحاً أمام كل «ما هبّ ودبّ».