اعتذارات دونالد ترامب يمليها عليه قبل كل شيء تأخّره في استطلاعات الرأي أمام منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون. يفترض بهذا «الإعتذارات» أن تساهم في تقليص الفارق، هذا إنْ نجح ترامب في اقناع الناس بأنّها انعطافة لن يلتف حولها سريعاً. اذا ثبت ترامب على هذه «الاعتذارات»، خصوصاً عند المناظرة المباشرة مع غريمته، وما عاد سهلاً أن يستفزه أي شيء وأي كان في الأشهر التي لا تزال تفصلنا عن الانتخابات، يمكنه تقليص الفارق، واذا لا، هذا الفارق سيزداد.
ليس ترامب أول مرشّح صقريّ بآراء حادة في اليمين الأميركيّ، لكن ظاهرته تختلف عن كل ما سبقها. ما تلفظ به حول المكسيكيين والمسلمين والنساء، وهجاؤه النابي للرئيس باراك اوباما ومنافسته هيلاري كلينتون، فاق كل توقع. بالتوازي، تأتي هذه الاعتذارات لتكثف «فرادة» دونالد ترامب الرئاسية. يريد اليوم ان يسترد هذا القسم من الناخبين المفترض ان يصوتوا للجمهوريين الذين حادوا عنه، ومالوا نحو كلينتون. ويعوّل على اختراق بيئات اجتماعية سبق له ان هاجمها.
تراجعت حظوظ ترامب في الآونة الاخيرة، وتدنت التوقعات الاستطلاعية، خصوصاً بعد تهجمه على خضر خان والد الجندي الاميركي المسلم الذي قضى في العراق. اعتذار ترامب يتعلق بهذا الأمر بالذات.
يبني الاعتذار على الثقافة البروتستانتية في المجتمع الأميركي، حيث الاعتذار وطلب المغفرة يتناسب تماماً مع التوظيف السياسي لعقيدة الخطيئة الأصلية وأساليب التطهر وطلب النجاة منها. بيل كلينتون وجد نفسه هو الآخر قبل عشرين عاماً في ظرف مشابه: كان عليه ان يقدم اعتذاره هو ايضاً لأنه كذب. ترامب يكتفي بتقديم اعتذاره لأنه غضب.
بالتوازي، يأتي ترامب بطلائع خطاب جديد في السياسة الخارجية، تروض «الاسلاموفوبيا» النافرة في الاشهر الماضية، وتعيد الاعتبار لممانعة الحزب الجمهوري في الكونغرس حيال سياسة اوباما في الموضوع الايراني. وفي هذا الشأن بالذات، صار يبدو ترامب على انه يمتلك فكرة واضحة، في حين لا يمكن قول الشيء نفسه عند كلينتون.
اما هيلاري، فلديها كل ما تتفوق به من حيث المبدأ ومن حيث النتيجة على ترامب، في الشعارات وفي المضامين، غير انها في السياسة الخارجية عموماً، والملف الايراني تحديداً هي في نهاية المطاف، بلا موقف واضح قادر على القطع مع «تجريبية الهواة» التي اعتمدها اوباما.
الاعتذارات متأخرة بعض الشيء، والمفارقة انه اعتذر قراءة عما قاله شفاهة، في حين يلزمه ان يرتجل مجدداً ولا يقع في الخطأ.
لكنها اعتذارات تعطي نكهة جديدة للمنافسة، نكهة تعيد «ترامب» الى معهود الخطاب الجمهوري.