Site icon IMLebanon

الاعتذار المشبوه

اعتذار رئيس وزراء بريطانيا سابقاً طوني بلير غير الكامل والمتأخر عن قرار مشاركة بريطانيا في غزو العراق لافت للانتباه لأكثر من سبب.الاعتذار صيغ بلغة عمومية ومترددة ولم يقدم الى العراقيين، أكثر المتأثرين سلبا بالغزو ومضاعفاته المستمرة حتى الآن. الاعتذار لا يعني اطلاقاً ان بلير سوف يتحمل المسؤولية القانونية عن قرار ولن يغير أي شيء في حياته.

الاعتذار لم يكن صادقاً كلياً، لان بلير حاول تبرئة نفسه ضمناً بالقول إن المعلومات الاستخبارية (التي جمعتها الاجهزة الاميركية) لم تكن صحيحة. لكن الواقع، وفقاً لمسؤولين اميركيين كانوا في السلطة آنذاك، ان بلير كان متحمساً لقرار الغزو وليس شريكاً متردداً خذله اخفاق الاستخبارات الاميركية. إلا أن بلير كان محقا حين اعترف بان الغزو ساهم في ايجاد تنظيم “الدولة الاسلامية” الذي انبثق من “تنظيم الدولة الاسلامية في العراق” الذي انبثق بدوره من تنظيم “القاعدة في بلاد الرافدين” الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي.

لكن الاعتذار على رغم اشكاليته يبقى نافراً لدى مقارنته بممارسات ومواقف المسؤولين الاميركيين حين تؤدي قراراتهم الى نتائج عكسية ومكلفة. معظم المسؤولين الاميركيين البارزين والمعنيين بغزو العراق نشروا مذكراتهم وحاولوا ابعاد أنفسهم عن أسوأ نتائج الغزو. لكن اصحاب القرار الكبار بدءاً بالرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني مروراً بوزير دفاعه دونالد رامسفيلد ومدير “السي آي إي” جورج تينيت وحتى “المندوب السامي” بول بريمر تفادوا الاعتذار المباشر، والاعتراف بانهم ارتكبوا اخطاء فادحة، لا بل حاولوا لوم الآخرين على بعض القرارات المحورية الكارثية مثل قرار تسريح الجيش العراقي.

وعلى رغم التحقيقات التي أجريت بعد الغزو وبعدما تبين انه لم تكن لدى العراق أي اسلحة دمار شامل، وبعد كشف ممارسات مشينة وانتهاكات صارخة للقوانين والأعراف الدولية مثل فضيحة أبو غريب وبعض حوادث القتل الجماعي، بقيت العقوبات محصورة بمسؤولين صغار، ولم يتعرض أي مسؤول سياسي أو استخباراتي للملاحقة القانونية. وحتى عندما يقول احد هؤلاء إنه يتحمل المسؤولية فان ذلك لا يعني شيئاً على الاطلاق.

في العقود الاخيرة لم يستقل أي مسؤول اميركي بارز من تلقاء نفسه بسبب ممارساته أو اخطائه، أو بسبب احتجاجه الاخلاقي او السياسي على قرارات اتخذها الرئيس. وآخر مسؤول اميركي بارز استقال احتجاجاً على قرار معين، كان وزير الخارجية الراحل سايروس فانس لانه لم يوافق على قرار الرئيس سابقاً جيمي كارتر شن عملية انقاذ للرهائن الاميركية في طهران. مثل هذه الممارسات للسياسيين الاميركيين تفسر، جزئيا على الاقل، استياء وغضب شريحة كبيرة من الناخبين الاميركيين على طبقتهم السياسية.