IMLebanon

إلحاق لبنان باليمن

عند حصول التمدّد المفاجئ والدموي لتنظيم «داعش» بَدا أنّ هناك أسراراً عدة واكبت هذا الانفلاش في سوريا والعراق.

الحريري سمع من الرياض أنها قررت قطع الطريق على أيّ توجّه الى مؤتمر تأسيسي لبناني لقد طرحت أسئلة كثيرة بقيت بلا أجوبة عن أسباب عدم تدارك الواقع الذي كان يغلي في المناطق السنيّة العراقية، خصوصاً في الموصل وتكريت، حيث كانت واشنطن تملك معلومات موثّقة عن التواصل القائم بين هذا التنظيم ووجهاء هذه المناطق وزعمائها، وفي مقدّمهم الرمز البعثي الكبير عزّت إبراهيم الدوري.

لا بل قبل ذلك كيف نجح عناصر من هذا التنظيم من إطلاق أكثر من 500 إرهابي من السجن الذي كان سابقاً تحت سلطة الجيش الاميركي وبقيَ تحت رقابته المباشرة من خلال كاميرات ووسائل إنذار، وذلك بعد تسليمه إلى السلطات العراقية.

وتتوالى الاسئلة عن طريقة ترك كمية ضخمة من العملات في فرع للمصرف المركزي، وكيف نقلت أسلحة متطورة ووضعت في يد فرق الجيش العراقي المنتشرة في تلك المناطق على رغم إدراك واشنطن الفساد والتفكك الذي كانت تعانيه تلك القوات، ما يجعلها قابلة للتفكك عند الهزة الأولى.

أسئلة كثيرة بقيت بلا أجوبة تماماً كما بقيَ السؤال الكبير حول قرار حلّ الجيش العراقي عام 2003 بلا جواب.

لكنّ الأهم أنّ الائتلاف الدولي الذي تشكّل بهدف ضرب وإنهاء «داعش» الذي قضى على حضور المسيحيين والازيديين، إنما بقي من دون فاعلية إلّا عندما اقترب التنظيم من اربيل والعاصمة بغداد، وأخيراً عندما طلب الجيش العراقي المساعدة الجوية لتحرير تكريت.

مناسبة طَرح هذه الأسئلة الآن، الكلام الذي يطلقه مجدداً مسؤولون اميركيون كبار عن الحاجة لسنوات بغية القضاء على «داعش»، ما يعني أنّ مهمات دموية جديدة تنتظرنا لإنضاج مشاريع مطلوبة. فعلى وَقع مجازر العراق، حصل التفاهم الاميركي- الايراني على الملف النووي، وضمناً على اتفاق لا يزال مبهماً له علاقة بالخريطة الجيوسياسية للمنطقة، او بالأحرى ولادة اتفاق كيري – ظريف على أنقاض اتفاق سايكس – بيكو.

عندما اجتاح «داعش» الحدود السورية – العراقية مُعلناً إسقاط اتفاق سايكس- بيكو، ظهرت «طفرة» من المواقف والتعليقات لمسؤولين وديبلوماسيين وإعلاميين غربيين، كان القاسم المشترك بينها أنّ هذا الاتفاق أصبح مُنتهي الصلاحية.

ولكن طالما أنّ «داعش» سيبقى حياً لبضع سنوات اضافية، فما هي المهمات المطلوبة منه؟ جميع الخبراء في شأن التنظيمات الاسلامية المتطرفة يؤكدون أنّ أمام «داعش» هدفين أساسيين مُلحّين، وهما فلسطين والسعودية. ففلسطين تملك بريقاً خاصاً وقوياً لدى الشعوب العربية والاسلامية، ما يعني حسب هؤلاء أنّ الإمساك بوَرقتها سيمنح «داعش» دفعاً هائلاً ويُعزّز حمايتها على المستوى الاسلامي.

وبَدا أنّ «داعش» باشر تمدّده وتغلغله في النسيج الفلسطيني الفقير، خصوصاً في غزة، ما دفع حركة «حماس» الى بدء حملة أمنية مضادة بهدف إجهاض هذا المشروع. لكن هناك من يرى أنّ نجاح «داعش» في إثبات حضوره فلسطينياً سيفتح الطريق لاحقاً أمام استهداف الفلسطينيين بحجة محاربة الارهاب، ومن خلال ذلك السعي الى تحقيق «الترانسفير» الذي ما برح يشكل هدفاً أساسياً لإسرائيل بمباركة غربية.

امّا في السعودية فهناك من يتوق لإعادة ترتيب الخريطة الخليجية من خلال تشجيع «داعش» على الاقتراب من الاماكن الدينية، ولم يعد سراً أنّ السلطات السعودية تنفّذ إجراءات أمنية مشددة على هذا الصعيد. ويأتي الاعلان عن بدء «عملية الامل» في هذا السياق.

في هذا الوقت، بدأت التحضيرات لإنجاز تفاهم سياسي حول اليمن، خصوصاً أنّ وقف العمليات العسكرية سبقته حركة قوية قادَتها سلطنة عمان. المطّلعون يؤكّدون أنّ التفاوض السياسي سيبحث في الملفين اليمني والسوري في آن معاً، وهو ما تبدو طهران موافقة عليه.

لكنّ السعودية تريد إدخال الملف اللبناني أيضاً كون الواقع اللبناني أصبح خطراً جداً، كما انّ حلوله أسهل من غيره. لذلك تعمّد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز استقبال الرئيس سعد الحريري علناً قبل سَفر الاخير الى واشنطن حيث سيلتقي المسؤولين الاميركيين الكبار.

وتبدو مهمة الحريري التي تحظى بدعم سعودي، إقناع واشنطن بضرورة البحث في الملف اللبناني في موازاة المفاوضات التي ستجري حول اليمن وسوريا، وعلى أساس أنّ استمرار الفراغ الرئاسي إنما بات يشكّل خطراً على استمرارية الدولة اللبنانية وعلى الاستقرار الأمني الداخلي.

وليس خافياً على أحد أنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق يُبدي قلقه الكبير من الوضع الامني في لبنان، وهو الذي عاد أخيراً من زيارة لواشنطن التقى فيها مسؤولين أمنيين كبار.

وبالتالي، فإنّ الحريري يحمل رسالة الى المسؤولين الاميركيين تقول: «صحيح أنّ الساحة الامنية اللبنانية لا تزال مستقرة بالحد الأدنى حتى الآن، لكنّ هذا الواقع قابل للاهتزاز. فالغيوم المتجمّعة بالقرب منه قد تؤدي الى تساقط المطر في أيّ لحظة صعبة، ربما آجلاً وليس عاجلاً».

والأهمّ أنّ الحريري سيُبدي في واشنطن تمسّكاً نهائياً بـ»اتفاق الطائف»، ولَو مع القبول ببعض «الروتوش» في حال استوجبَ ذلك اتفاقاً على الازمة الرئاسية.

ذلك أنّ الحريري ومعه السعودية يدركان جيداً أنّ الظروف في لبنان والمنطقة باتت أقرب إلى المؤتمر التأسيسي منها لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وترقيع صيغة «الطائف»، وأنّ «حزب الله» وإيران يدفعان في هذا الاتجاه في ظلّ مناخ دولي مساعد وناجم عن التفاهم القائم بين واشنطن وطهران.

لذلك سمع الحريري من المسؤولين السعوديين أنّ الرياض اتخذت قراراً بقطع الطريق على أيّ توجّه للذهاب الى مؤتمر تأسيسي حتى ولَو دفعها ذلك لاستعمال كلّ أوراق ضغطها في لبنان، وهي متعددة، بدءاً من الأوراق السياسية وصولاً الى الاوراق الاقتصادية والمالية. وبالتأكيد، سيبلغ الحريري ذلك الى المسؤولين الأميركيين.