IMLebanon

أزمة التفاح: الخسارة بين 60 و100 %

شهيب لـ«السفير»: أسواق جديدة وكميات على اللاجئين

بساتين تفاح على مدّ النظر اختار أصحابها تركها في أرضها حتى تتلفها الأيام «مجاناً»، ذلك أنّ كلفة قطفها تساوي حوالي نصف السعر الذي يمكن أن تباع به.

من جرود اللقلوق المرتفعة إلى العاقورة ومحيطها، ترتسم على وجوه المزارعين ملامح موحّدة للخيبة. في مناطق اللقلوق، كانت «الضربة» طبيعية بسبب حبات البَرد التي أتت في غير أوانها في أيار الماضي وقضت على الموسم، الذي لم يعد ينفع إلا للخلّ والمربى والدبس وبعض الصناعات الغذائية. أما في المناطق الأقل ارتفاعاً، لا سيما العاقورة المشهورة بتفاحها، فالأزمة أزمة أسعار منخفضة، تدفع بالمزارعين إلى ترك التفاح يموت على الشجر. لماذا؟

لأن صندوق التفاح الواحد لا يزيد سعره عن 5 أو 6 آلاف ليرة، فيما كان في السنوات الماضية يتراوح بين 20 و26 ألف ليرة، وبذلك تكون الخسارة 100 في المئة، إذا ما احتسبنا أجرة القطف والحراثة والأسمدة الكيماوية والأدوية.

أمام هذه الأزمة، يطمئن وزير الزراعة أكرم شهيب المزارعين ، مقدماً اليهم بعض الحلول التي من شأنها تخفيف المصيبة، لا حلّها. يوضح شهيب لـ «السفير» أنّ «الوزارة تحاول أن تجد أسواقاً للتفاح المضروب بسبب البرد، علماً أنّ طعمه لذيذ لكنّ شكله الخارجي يعوّق بيعه في الأسواق العادية. لذلك تعمد الوزارة إلى العمل على تصريفه في بعض الصناعات الغذائية كالخل والمربى والدبس، إضافةً إلى السعي لتصدير جزء منه إلى الخارج، لا سيما مصر حيث يمكن أن يدخل في سوق صناعة التنبك المعسّل».

يتابع شهيب: «كذلك نعمل مع وزارة الشؤون الاجتماعية من أجل شراء كميات من هذا التفاح ووضعه في السلل الغذائية التي توزّع على اللاجئين السوريين».

أما بالنسبة إلى موسم التفاح الجيد الذي يعاني من الأسعار المنخفضة وضيق الأسواق، فيوضح شهيب أنّ «العمل جارٍ من أجل إيجاد أسواق جديدة، وحتى الآن صدّرنا 14800 طن من التفاح إلى مصر، ونتواصل الآن مع روسيا لتفتح لنا الأسواق من دون أن نتكبّد رسوماً عالية، علماً أن كل طن عليه 250 دولاراً رسوماً في روسيا».

ويقول إنه يسعى الى التواصل أيضاً مع الدول العربية من أجل تأمين أسواق جديدة، «لكن لا ننسى تأثير الأسواق الأوروبية التي اقتحمت الأسواق العربية اقتحاما كاسحا».

وينتظر شهيب رداً من رئيس الحكومة تمام سلام حول إمكان أن تغطي الحكومة جزءاً من سعر التبريد، ويتابع «كما نتواصل مع كفالات من أجل تأخير استحقاقات المزارعين».

بين بساتين التفاح

ينظر المزارع جورج جبرايل (اللقلوق) الذي التقته «السفير» في جولتها، إلى تفاحاته، ثمّ ينثرها أيضاً، قهراً وحسرةً، يقول: «لم ينجُ 20 في المئة من الموسم من الكارثة، البرد أتى فيما كان التفاح يعقد، فقضى عليه»، مضيفاً: «من الأفضل أن يبقى التفاح على الشجر، لأنه لن يباع، وقطافه مكلف، والدولة… أي دولة؟ لا أحد يسأل عنّا».

في بستانٍ آخر، يقف جبرايل جبرايل (75 سنةً) وبيده عصا يتّكئ عليها، ربما يشكو همّه لها، ويردد: «علينا أن نتقبّل الخسارة. إنها إرادة الله».

يوضح جبرايل لـ «السفير» أن «أكثر من 80 في المئة من الموسم مضروب. وحدها حبات التفاح التي تأخرت في العقد نجت من أضرار البرد، وهي نسبة قليلة من الموسم ولا يمكن أن نعوّل عليها». ويفيد بأنّ أحداً من التجار لم يعرض شراء تفاحه حتى الآن، ويقول «لا نعرف إن كان أحدٌ سيسأل عن هذا الموسم، ولم يحدّثنا أحد عن تعويضات».

أما مواسم العاقورة التي نجت من عوامل الطقس، فلم تنجُ من الأزمة التي تطاول كل المنتجات الزراعية اللبنانية بسبب عدم إمكانية التصدير البري، وصعوبة التصدير البحري وكلفته المضاعفة. وبذلك، فإن جزءاً من الموسم معدٌّ كما في جرود اللقلوق المرتفعة، للبقاء على الشجر حتى يتساقط وحده ويفسد ويتلف نفسه بنفسه.

يجمع مزارعون التقتهم «السفير» على أن «الخسائر في العاقورة تصل إلى 60 في المئة، علماً أنّ التجار يشترون الصناديق بـ5 أو 6 آلاف ليرة، ثم يباع الكيلو بـ3 آلاف ليرة للمواطن، وبذلك يكون المزارع هو الخاسر الوحيد مع أنه أكثر من يتكلّف من أجل إنجاح الموسم».

يوضح نديم (مزارع من العاقورة) أنّ «توقف التصدير البري أثّر كثيراً على مزارعي التفاح، لا سيما أنّهم كانوا يعتمدون على التصدير إلى دول عربية مثل مصر وليبيا والعراق، والآن المواسم كلها تبقى في البلد وتباع بأسعار بخسة، لا تكفي لدفع تكاليف زرعها والاهتمام بها».

150 ألف طن

يفيد رئيس «نقابة مصدري ومستوردي الخضار والفاكهة» نعيم خليل بأنّ «موضوع وقف التصدير البري إلى مصر بالتحديد، يأخذ حيزاً كبيراً من المشكلة لأن مصر كانت تستحوذ على حوالى 65 أو 70 في المئة من كميات التفاح المصدرة، والآن هناك تراجع في سعر الجنيه يؤثر على الأسعار»، مشيراً إلى أن «المنتجات الأوروبية دخلت بقوة إلى أسواقنا العربية واكتسحتها من دون رسوم جمركية، فباتت الخسارة مضاعفة على المزارع الذي يعجز عن تصريف إنتاجه».

ويفيد بأن «الكمية المنتجة من التفاح هذا العام هي حوالي 150 ألف طن، وهو موسم ممتاز مقارنةً بالسنة الماضية مثلاً حيث كان الإنتاج نحو 90 ألف طن، وسنحاول نحن كنقابة مصدرين مع المعنيين أن نؤمن تصدير 80 ألف طن من الإنتاج إنما طبعاً بأسعار منخفضة، حتى لا يبقى التفاح في أرضه»، مشيراً إلى أن «وجهة التصدير هي بعض الدول العربية كمصر والامارات والسعودية والكويت، وذلك عن طريق البحر، وهذا الأمر مكلفٌ جداً طبعاً».

ويضيف: «كنا سابقاً نصدّر إلى ليبيا لكن بعد الأزمة هناك صعوبات، كما في العراق، بينما يفرض السودان رسوماً جمركية لا نستطيع تحمّلها، لا سيما أنّنا نحرق أسعارنا».

ويلفت الانتباه إلى أن «وزير الزراعة تحدّث عن فرض رخصة مسبقة على استيراد التفاح والإجاص والبطاطا المجلّدة»، لكنه يستدرك سائلاً: «ولكن كيف نمنع التهريب؟ السوق مليء بالمنتجات الزراعية المهرّبة، التي تباع بأسعار منخفضة، ما يقلل من قيمة المنتجات اللبنانية وأسعارها».

أزمة ممتدة

في الوقت نفسه، لم تقتصر الأزمة على التصريف. ثمة نقص فادح في مياه الري هذه السنة، الأمر الذي دفع بعض المزارعين إلى ترك الأراضي كلياً. فلا يبالغ مزارعو الفاكهة والمصدرون حين يؤكدون أن أكثر من 70 في المئة من إنتاجهم بقي في أرضه وفي أحسن الأحوال تم بيعه على العربات المتنقلة. في المقابل، لم يصدر إلا ما يقارب 30 في المئة من محاصيل الدراق والنكتارين والخوخ، والتوقعات لا تبشر بالخير بالنسبة إلى العنب والتفاح.

وبذلك، باتت البرادات التي تستوعب آلاف الأطنان من إنتاج بساتين الفاكهة متخمة بالأصناف الزراعية حتى حزيران الماضي، علما ان المدة القصوى لتفريغها كانت لا تتجاوز الشهر الثاني من العام، الامر الذي أدى الى انخفاض كبير في اسعار الفاكهة التي تصل مبيعاتها الى حدود الكلفة وما دون.

ويمكن القول إنّ أمراً واحداً يتشفع للقطاع الزراعي ألا وهو الإنتاج الجيد والوفير الذي ساهم بتخفيف عبء تراجع الأسعار، المرشّح للاستمرار، في غياب الحلول الجذرية.

أخيراً، إذا كانت المعضلة الأساسية هي شلل الطريق البرية الدولية عبر سوريا، للعام الثالث على التوالي، فإن الإهمال الرسمي للقطاع الزراعي والمناطق الزراعية الريفية البعيدة، يلعب أكبر دور في تكدّس خسائر المزارعين سنةً بعد سنة ودفعهم إلى فقدان الأمل من حب الأرض الذي ورثوه وأصبح حياتهم.