لا يزال الاتفاق على هدنة توقف الحرب على غزة موضع تشكيك، فتصريحات المسؤولين الإسرائيليين لا توحي بالإيجاب. ولا يريد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو منح هدنة تكون بمثابة استراحة محارب لـ»حماس» لتستجمع عناصر قوتها مجدداً. وعليه فكل الاستحقاقات بحكم المؤجلة رهناً بوقف حرب غزة. وهذا يسري على التفاهم الإيراني – الأميركي غير المباشر الذي اتفق فيه الطرفان على تأجيل الاستحقاقات في المنطقة الى ما بعد حرب غزة. ولا يشكّل لبنان استثناء.
ومن باب الحرب على غزة ومشاركة «حزب الله» تحت عنوان إسناد الفلسطينيين، عاد القرار الدولي 1701 الى حيّز البحث بعدما كان منسياً، وانشغلت الولايات المتحدة ودول أوروبا في خوض مفاوضات مع لبنان للدفع في اتجاه تنفيذه بالترغيب مرة والترهيب مراراً.
لم ينفّذ «حزب الله» ما طلب منه بتراجع عناصره الى شمال الليطاني، لأنّ إسرائيل لم تنفّذه من جهتها ولم تحرّك ساكناً حيال مطالبة لبنان بتنفيذه في الماضي. منذ عام 2006 لم تشنّ حروباً على لبنان، لكن خروقاتها البرية والبحرية والجوية كانت تتكرر يومياً.
لكن، لمعاودة الحديث عنه أهداف أخرى لها علاقة بأزمة إسرائيل بعدما فقدت القدرة على ضبط الأمن على حدودها الشمالية، وبعدما تسبب «حزب الله» بتهجير المستوطنين. إسرائيل التي ترفض الانسحاب من غزة وتبحث عن انتصار، تتوسل عبر الأميركيين والأوروبيين تنفيذ القرار الدولي. ومن الورقة الفرنسية المتعلقة بتطبيقه الى مساعي الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، مفاوضات لوقف الحرب كشرط لانتزاع تعهد من «حزب الله» بتنفيذ القرار وعودة المستوطنين الى الشمال، وبذلك يتأمّن تنفيذ القرار 1701 ويتأمن كذلك إعطاء إسرائيل انتصاراً لم تستطع تحقيقه في غزة. في تعليقها على الردّ اللبناني على الورقة الفرنسية، تكشف مصادر ديبلوماسية فرنسية أنّ أهمية الردّ تكمن في كونه التزاماً لبنانياً بتطبيق القرار 1701 يمكن التفاوض في شأنه مع إسرائيل لوقف الحرب. تعاملت فرنسا حسب المصدر الديبلوماسي مع الردّ كوثيقة يمكن التفاوض على أساسها لمجرد أنّها تعلن التزاماً لبنانيا بالتنفيذ.
فرنسياً وأميركياً، فتح بازار الحديث عن القرار الدولي. للمرة الأولى يبدي «حزب الله» استعداده للتنفيذ شرط التزام إسرائيل الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والتراجع عن النقاط المختلف عليها في الترسيم البري. حتى تراجع «قوات الرضوان» لم يتوقف عنده طالما أنّ المكاسب الأكبر ستتحقق. لكن حقيقة الأمر وما افصحت عنه المفاوضات التي سبق وخيضت، أن لا ظروف موضوعية لتطبيقه وإسرائيل لن تقبل الانسحاب من كفرشوبا ومزارع شبعا وتلتزم وقف غاراتها وطلعات طائراتها أو تتراجع عن النقاط المختلف عليها، وبالتالي لا يمكن أن يطلب من «حزب الله» تنفيذ القرار من ناحيته فقط، وهذا ما فهمه الموفدون الدوليون.
لكنّ جهات داخلية لم تقتنع بالأمر ورأت في المساعي الدولية فرصة للضغط. بَنَت القوى السياسية اللبنانية مواقفها من تطبيق الـ1701 حسب تقاربها من «حزب الله» أو اختلافها معه. القوى القريبة من الولايات المتحدة، باستثناء السنة والإشتراكي، تطالب بتنفيذه مع القرار 1559 أي تجريد «حزب الله» من سلاحه. في جلسة دردشة، ذكّرهم أحد السياسيين بأنه حين طرح هذا الموضوع عند البطريرك الراحل نصر الله صفير أجابهم أنّ من أقرّ الـ1559 فليُنفّذهُ، بما يعني أن لا تطلب منّا أميركا خوض حرب أهلية مع «حزب الله» لتنفيذه. لكن بقي هناك من يستبطن تنفيذ القرار 1559 من خلال القرار 1701. وفريق آخر يتمثل بالثنائي الشيعي و»التيار الوطني الحر» يؤيّد تنفيذ القرار 1701، ولكن بشكل متوازن ومتكافئ على الجانبين. وبذلك لا يعارض الإرادة الدولية، ولكن يرفض التنفيذ المجتزأ. ولهذا قال رئيس «التيار» جبران باسيل حديثاً «لا يمكن أن نلتزم وحدة الساحات إلا متى كانت ستؤمّن ردّ الأراضي المحتلة في شبعا وكفرشوبا وتعطينا الحدود البرية. حينها يصبح خوض الحرب لأجل تحقيقه».
صارت المواقف من القرار 1701 جزءاً من الكباش الدولي الحاصل على خلفية حرب غزة. وبتقدير مصادر سياسية متابعة، إنّ الحديث في شأنه سيبقى حبراً على ورق ما دامت إسرائيل ترفض بالمطلق فكرة النقاش بانسحابها من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.