على رغم الخلاف الدائر حول شخص قائد الجيش العماد جوزاف عون، إلّا أنّ تعيين قائد للجيش في ظلّ الشغور الرئاسي «سابقة» أبعد من القيادة والرئاسة تهدّد «التركيبة». فهذا القرار يعني كَسر «العُرف» القائم منذ الاستقلال، ويُشكّل «مخالفة» لروح الدستور و»سلخ» صلاحية من رئيس الجمهورية. لكن بمعزل عن المعركة الحالية حول قيادة الجيش التي تتخطّى حدود اليرزة مروراً بميرنا الشالوحي وصولاً إلى بعبدا، لماذا رئيس الجمهورية هو من «يعيّن» قائد الجيش؟
يشرح الوزير الأسبق المحامي زياد بارود أنّ تعيين رئيس الجمهورية لقائد الجيش عُرف، بدأ منذ ما قبل التعديلات الدستورية في الطائف، حين كان النظام قريباً إلى النظام الرئاسي، وكانت لرئيس الجمهورية الكلمة الفصل في تعيين موظفي الفئة الأولى وتحديداً قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان، انطلاقاً من أنّه الذي يعيّن رئيس الحكومة والحكومة.
هذا الوضع اختلف تقنياً بعد «اتفاق الطائف» والتعديلات الدستورية عام 1990، لكن بقي العُرف قائماً، خصوصاً في موقعي الحاكمية وقيادة الجيش، إنّما على قواعد أخرى، لا سيما منها العرف وأنّه رئيس الدولة. وفي موضوع تعيين قائد الجيش تحديداً، وإضافةً إلى العُرف، لا يُمكن فرض قائد للجيش على رئيس الجمهورية الذي يملك السند الدستوري بأنّه القائد الأعلى للقوات المسلّحة.
كذلك يشرح بارود أنّ النص واضح في المادة 49 من الدستور، حين يقول إنّ رئيس الجمهورية يرأس المجلس الأعلى للدفاع وهو قائد القوات المسلّحة. ولا يُمكن اعتبار النص الدستوري مجرّد شعر، بل هذا كلام يعني ما يعنيه في العلم الدستوري، وهو يعني أنّ رئيس الجمهورية يمكنه أن يتواصل مع قائد الجيش والقوى المسلّحة كافةً بصفته رئيس الدولة وبصفته القائد الأعلى لهذه القوات. وإنّ استكمال النص بأن تخضع لسلطة مجلس الوزراء، سببه أنّ بعض المسائل تستوجب إصدار مراسيم أو قرارات في مجلس الوزراء. لكن هذا لا يسلخ عن رئيس الجمهورية موقعه وصفته. ولا تناقض بل تكامل بين الاثنين، خصوصاً أنّ رئيس الجمهورية يرأس مجلس الوزراء عندما يحضر. لذلك، لم يحصل أن فُرض قائد للجيش على رئيس الجمهورية بعد «اتفاق الطائف»، وإذا حصل ذلك فهذا لا يكون فقط تخطّياً لصلاحيات رئيس الجمهورية التقنية وإنّما لدوره وموقعه. وهذا لا ينسجم مع الموقع المعنوي لرئيس الجمهورية ولكونه القائد الأعلى للقوات المسلّحة.
وبالتالي يُمكن لرئيس الجمهورية أن يتواصل مع قائد الجيش في أي مسألة تتعلّق بالمؤسسة العسكرية. أمّا إذا لم يلبّ قائد الجيش طلب رئيس الجمهورية، فيُمكن للرئيس في هذه الحالة أن يعود إلى مجلس الوزراء وأن يطرح ما يريد على جدول مجلس الوزراء وفق صلاحياته، بحسب بارود. فضلاً عن أنّه إذا حصل خلاف في وجهتي النظر حيال مسألة ما بين الرئيس والقائد، يُمكن لرئيس الجمهورية أن يدعو المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد، ليبحث في هذه المسألة، ويتخذ قراراً حيالها يكون ملزماً للقوى المسلّحة كافةً.
وإذ يستند البعض ممّن يؤيدون تعيين قائد جديد للجيش في ظلّ الفراغ الرئاسي، إلى أنّ هناك قادة للجيش عُينوا بعد عام 1990 على رغم رفض رؤساء الجمهورية لهم، يشير بارود إلى أنّه لم يتظهّر مرةً رفض أي رئيس للجمهورية تعيين قائد للجيش بعد «اتفاق الطائف». ويوضح أنّه إذا كان هناك في فترة ما قبل عام 2005 إيحاء ما بتعيين قائد للجيش لم يكن الرئيس يُظهر اعتراضاً على ذلك، وبالتالي كان يقبل أن يأخذ أحد هذه الصلاحية عنه، إذا كانت تحصل. أمّا بعد عام 2005، فإنّ تعيين قائد الجيش في عهد الرئيس ميشال سليمان حصل برضاه، والرئيس ميشال عون هو من اختار العماد جوزاف عون قائداً للجيش، وبالتالي استمرّ العرف الذي كان قائماً منذ ما قبل «اتفاق الطائف».
عُيّن 13 قائداً للجيش منذ الاستقلال حتى الآن، وجميعهم اختيروا بموافقة أو رغبة رئيس الجمهورية، بحسب الباحث في «الدولية للمعلومات» الدكتور محمد شمس الدين، على رغم أن حصلت تقاطعات إقليمية ودولية على الإتيان بعدد من قادة الجيش مثل فؤاد شهاب وإميل لحود وميشال سليمان. ويشير شمس الدين إلى أنّ رئيس الجمهورية يختار قائد الجيش لكي يأمن له ولكي لا يخالف توجهاته. هذا فضلاً عن أنّ رئيس الجمهورية يوقّع مرسوم تعيين القائد، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولديه كل الصلاحيات على هذا المستوى، وهو رئيس المجلس الأعلى للدفاع. وعلى سبيل المثال، إنّ حالة التعبئة العامة، تُتخذ بقرار من المجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية وليس بقرار من قائد الجيش منفرداً. ويشدّد شمس الدين على أهمية عبارة القائد الأعلى للقوات المسلّحة، فهي تعني أنّ رئيس الجمهورية «قائد» قائد الجيش، ويمكنه أن يتدخل مع كلّ القوات المسلّحة.