التعيين في قوى الأمن ينسحب على الجيش؟
بصبوص «يكره» التمديد.. وعثمان باقِ في «المعلومات»
مع تعيين مدير عام جديد لقوى الامن الداخلي او من دون تغيير رأس المديرية. مع تمديد او تكليف، يتصرّف «تيار المستقبل» على اساس ان هذا الاستحقاق سنّي الطابع ولسعد الحريري الكلمة الفاصلة فيه، الآن أو بعد حين، بمعزل عن تسويات لا يرى نفسه «محشورا» بها.
عمليا، لا استعجال الآن على تثبيت عماد عثمان رئيس فرع المعلومات، العميد الحديث التجربة في ميدان العمداء، خصوصا إذا كان الثمن كبيرا وباستطاعة «المستقبل» تجنّب دفعه بكل بساطة!
مؤيّدو هذا الخيار يتساءلون: ماذا ينفع تعيين مدير عام جديد ومجلس القيادة دخل مدار التعطيل والشلل؟ وإذا قدّر لهذا التعيين ان يحصل، كيف يمكن ان تحلّ نعمة التوافق على «مجلس الرؤساء» في السرايا لتعيين كامل أعضاء مجلس القيادة (يعملون بالوكالة) باستثناء ثلاثة أصيلين؟
لهذا الاعتبار، ولاعتبارات أخرى باتت معروفة، ينحاز الحريري لبقاء اللواء ابراهيم بصبوص في موقعه. الاخير يفاجئ الكثيرين بزهده بتمديد قد يجلب له وجع الرأس، مفضّلا خلع بزّة المديرية في الخامس من حزيران.
لكن بصبوص، المرضى عنه من «المستقبل» وأيضا من فريق «8 آذار»، والمواكب «المرن» لانتفاضة وزارة الداخلية في ملف إسلاميي رومية، سيلتزم بالأمر السياسي في نهاية المطاف، كما يقول عارفوه. هؤلاء يجزمون «تعيين مدير عام للمديرية سيعني حكما الالتزام بتعيين قائد جيش جديد، وهذا ما يرفضه تيار المستقبل حتى الآن».
لكن، برأي كثيرين، استحقاق المديرية لا يتخطّى بأهميته حرص الرئيس الحريري الدائم على إحاطة عمل «شعبة المعلومات» بالرعاية التي تبعد هذا الجهاز الامني أولا عن ضجة التعيينات، وثانيا التصدّي لما يمكن ان يحدّ من استقلاليته، خصوصا بعد طيّ خصومه صفحة المناكفات العلنية معه والدخول في مدار التنسيق الامني المشترك تحت عنوان مكافحة الارهاب. لكن يبقى تشريع «الشعبة» نقطة عالقة لم تتكفّل «زنود» وزير الداخلية حتى اليوم في حلّها.
بعد تعيين نهاد المشنوق وزيرا، عمد الى طرح بند تحويل فرع المعلومات الى «شعبة»، في اول جلسة وزارية لحكومة «كسر الحواجز» في 27 آذار 2014.
لكن تحت سقف اللاثقة والتخوّف المستمر من تمدّد نفوذ هذا الجهاز الامني وتوسّع صلاحياته، بعد تحوّله الى منظومة متكاملة من العمل في مجال الامن العسكري والامن السياسي والامن القومي والامن التكتي، وقف «حزب الله» علنا بوجه المشروع. حتى النائب وليد جنبلاط نفسه كان متوجّسا من هذه الخطوة.
مخاوف فريق «8 آذار» المعلنة يومها من ان تقضم «الشعبة» من صلاحيات مخابرات الجيش والامن العام وامن الدولة، قابلها وزير الداخلية باستيعاب وبراغماتية، معترفا بأن المسألة سياسية وليست تقنية او قانونية، ومؤكدا ان هذا البند «سيقرّ بالنهاية بهدوء وبالتفاهم لان ليس هناك من مشكلة».
عمليا، بعد عام وشهرين على انطلاقة الحكومة، لم يُصر الى إعادة طرح البند على جدول الاعمال. تجاوزت الاطراف المعنية هذا التفصيل «التقني» وذهبت الى أبعد المتاح في التنسيق الامني، تحديدا في مجال مكافحة الارهاب. حتى العماد ميشال عون نفسه سحب من التداول نهائيا «كليشيه»: «الجهاز غير القانوني التابع لتيار المستقبل»، بحكم ضرورات التقارب مع الرئيس الحريري.
نقطة البداية كانت من الاجتماعات الامنية المشتركة في وزارة الدفاع التي فرض ايقاعها وزير الداخلية للمرة الاولى منذ التسعينيات كما اعلن يومها، داعيا من هناك الى تغيير نمطية العلاقة بين الاجهزة الامنية لناحية تعزيز عامل التنسيق وتبادل المعلومات.
النتيجة كانت أداء أفضل في تطويق بؤر الارهاب من الشمال الى البقاع مرورا ببيروت: أولا بسبب توافر القرار السياسي، وثانيا بسبب فتح «الدكاكين الامنية» على بعضها البعض بعد عهود من التنافس العلني والتضارب في الصلاحيات و «تسكير» الاجهزة على «منتوجها» الامني الذاتي.
العمليات الامنية غير المسبوقة في سجن رومية وخارج اسواره، آخرها مع اعتقال الشيخ خالد حبلص ومقتل اسامة منصور، نقلت «المعلومات» من مصاف المتّهم، بنظر خصومه، الى شريك اساسي في صياغة قرار أمني حديدي بإلغاء ظاهرة «الامارة» في رومية واصطياد الشبكات الارهابية، وذلك بعد مسار طويل من التشكيك بدوره المشبوه من العام 2005 على الرغم من كشفه لـ 33 شبكة تجسّس اسرائيلية، لكن الحذر بقي مسيطرا على العلاقة بين أمنيي الحزب و»المعلومات».
«فرع المعلومات» هو اليوم «شعبة» بحكم الواقع وليس القانون. كان لافتا في مرافعة النائب العام المفوض لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني الحجار قبل صدور قرار الحكم في ميشال سماحة بتصويب العبارة التي استخدمها الاخير في ردوده على اسئلة المحكمة، بالتأكيد أن «المعلومات» ليست «جهازا» بل هي «شعبة» كما كل باقي الاجهزة الامنية «تتّصف بأعلى درجات الوطنية ولا تُبرمِج مخبرين».
ضبّاط الفرع يقرّون «بصعوبة سير «حزب الله» في تشريع وضعنا كـ «شعبة» طالما هو «لا يمون علينا وعاجز عن الدخول الى بنك معلوماتنا، ونرفض ان يفرض علينا استشارته في الصغيرة والكبيرة».
آخر مظاهر «الحرب الباردة» مع الحزب «سعيه» الى عرقلة صدور الاقدميات لبعض ضباط «فرع المعلومات»، كما تقول مصادره، وقد استمرت هذه العرقلة الى حين فقدان النصاب في مجلس القيادة.
وكانت صدرت أواخر العام 2013، آخر جولة من منح الاقدميات (لكافة الاجهزة الامنية) استفاد منها يومها العقيد عماد عثمان وعدد من ضباط «الفرع»، بينهم العقيد احمد الحجار (وكلاهما من الاسماء المطروحة اليوم لخلافة اللواء ابراهيم بصبوص في حال الركون الى خيار التعيين) مما اتاح ترقيتهما الى رتبة عميد بدءا من اليوم الاول من العام 2014. ومن يومها بدأ الحديث جديا عن نية الرئيس الحريري إعداد عثمان لتولي رئاسة المديرية بعد إحالة بصبوص الى التقاعد.
وقد أعاد صدور الحكم في قضية ميشال سماحة تسليط الضوء على أحد مكامن الالتباس في دور «فرع المعلومات» المسؤول، برأي الفريق الآخر، عن تجنيده بشكل غير قانوني لمخبر بغية ايقاع سماحة في الفخ.
لكن ضرورات الحوار اليوم التي أفضت الى جمع «حزب الله» و»المستقبل» على طاولة واحدة متجاوزين جبال الخلافات السياسية بينهما، ومركّزين على تفعيل العمل الامني المشترك، ستفرض نفسها في ملف سماحة وردّات فعل الشارع، خصوصا ان «حزب الله» نأى بنفسه منذ البداية عن هذا الملف.