Site icon IMLebanon

آلية التعيين وجفاف البقرة

 

ضربت حكومة الرئيس حسان دياب عرض الحائط بقانون آلية التعيينات، والأنكى أنّ كتلاً نيابية مُمثّلة في الحكومة وساهمت في إقرار هذا القانون، كحركة “أمل” و”حزب الله”، تصرّفت وكأنّ لا وجود لهذا القانون، وحده تيار “المردة” تنبّه لوجوده، واعترض على تعيينات رأى أنها استمرار لمنطق المحاصصة والمغانم.

 

في هذه التعيينات، خرج رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل وحده مُنتصراً، فردّ الإعتبار لتيّاره الذي استُفرد في الجلسة النيابية التي أقرّت قانون آلية التعيينات في 28 أيار الماضي، وأثبت أن كلّ الكلام عن قوننة الآلية لم يتعدَّ الفولكلور النيابي، الذي انتهت وتنتهي مفاعيله بالتوافق على تقاسم المواقع مع رئيس الحكومة والثنائي الشيعي.

 

إزاء هذا الواقع، قد يقول البعض إن الحكومة تخطّت قانون آلية التعيين، لأنّه لم يصدر بعد في الجريدة الرسمية، أو أن رئيس الجمهورية قد يعمد إلى ردّه، أو أن طعناً سيطاوله من قبل “التيار الوطني الحر”، وبالتالي فإن المزيد من التأخير في التعيينات سيؤدّي إلى المزيد من الضرر الذي سيطاول الحكومة والإدارات المعنية وأداءها، ولا سيما على الصعيد المالي.

 

هذا الكلام لا يُقنع المعترضين على استعجال التعيينات من دون الآلية القانونية. ويقول هؤلاء إن الضغط كان يجب أن ينصبّ على إصدار قانون الآلية ونشره في الجريدة الرسمية، كخطوة إصلاحية مطلوبة شهد على ولادتها سفراء يُمثّلون المجتمع الدولي حضروا الجلسة النيابية، فكيف يُفسّر لهؤلاء مُخالفة قانون لم يجفّ حبره بعد؟

 

في هذا الموضوع، تتكاثر الأسئلة أيضاً. فمن قال إن المُعيّنين هم الأكثر كفاءة في طوائفهم لتعيينهم في هذه المناصب؟ أين المرشّحون الآخرون وسيرهم الذاتية؟ هل سيؤدّي هذا الاستعجال في التعيينات من دون آلية إلى تحسين أداء الإدارة، في ظلّ الظروف التي يعيشها البلد؟ فالتعيينات المالية مثلاً هل ستُعيد لمصرف لبنان دوره في السوق النقدي؟ هل ستؤدّي الى انخفاض سعر صرف الدولار؟ هل ستؤدّي الى عودة المصارف للعمل بشكل طبيعي، وسيكون مُتاحاً للمواطنين التصرّف بودائعهم؟

 

الإجابات على هذه الأسئلة لن تكون إيجابية بالطبع، لأنّ المشكلة لا تكمن في التعيينات كأسماء بل في نهج يرفض منذ عشرات السنوات عملية الإصلاح برُمّتها، وقد سقطت محاولات عدة في هذا الإطار. فالرئيس الشهيد رفيق الحريري حاول مع رئيس الجمهورية السابق إميل لحود قوننة آلية للتعيينات، ويروي قريبون منه كيف أنه في إحدى المرّات، تحدّث مع الرئيس لحود هاتفياً لمدة عشر دقائق، في محاولة للسير بمواد قانونية لآلية التعيينات، ولكنّه لم يُوفَّق في الإتّفاق معه، وكان شاهداً على ذاك الإتّصال في ذلك الحين الوزير فؤاد السنيورة والضابطان سالم بو ضاهر وموسى الزهران.

 

وللتذكير أيضاً، أنه بين العامين 2006 و2007، أعلنت الحكومة التي كانت برئاسة فؤاد السنيورة عن رغبتها بالتعيين في 39 وظيفة، وقد تقدّم 2850 شابة وشاباً لبنانياً بطلباتهم، وتمّت الاستعانة بـ 52 شخصية وُزعوا على 12 لجنة من أجل اختبار المرشحين للوظائف، كلّ حسب اختصاصه، وقد تمكّنت الحكومة وقتها، ووفق هذه الآلية، من إقرار تعيينات في الهيئة الناظمة لقطاع الإتصالات والمجلس الأعلى للخصخصة.

 

إنطلاقاً من هذه الوقائع، يُمكن القول إن نجاح آلية التعيينات لا يكون فقط بقوننتها، بل في أن يُغيّر المعنيون بها نظرتهم إلى الدولة ومؤسساتها ومداخيلها، ويتوقّفوا عن اعتبارها بقرة حلوباً، يحقّ لهم أن يمتصّوها حتى آخر نقطة، وقد شارفت بالفعل على الجفاف.