ما إن بدأ الحوار بين سعد الحريري وميشال عون في تموز الماضي، حتى حدَّد «تجار المواعيد» 8 آب موعداً لانتقال عون من الرابية الى بعبدا، ولكن مرَّ آب وبقيَ عون في الرابية! لكنّ هؤلاء «التجار»، لم يتّعظوا من فشل آب، فانتقلوا الى أيلول وصنّفوه شهراً مفصلياً وحاسماً واعتبروه «جدار الأزمة، فإما انفراج وإما انفجار»!
لنلحق هؤلاء التجار الى بيوتهم:
– أولاً، لناحية الانفجار، إن كان سياسياً، فإنّ الاشتباكات السياسية مشتعلة أساساً، وتتصاعد يومياً وتحتدم على أبسط الامور، وحتى على جنس الملائكة. وبالتالي لا جديد على هذا الصعيد.
وإن كان اقتصادياً ومعيشياً واجتماعياً، فالبلد متعايش مع الأزمات، والمواطن فقَد الأمل في إمكان بلوغ الحلول والمعالجات.
وإن كان أمنياً، فإنّ الخيمة المحلّية والخارجية التي تَحمي الاستقرار الداخلي ما زالت أقوى من أيّ محاولات للإخلال به. وفي الآونة الاخيرة تلقى لبنان بمستوياته السياسية والعسكرية تطميناتٍ بأنّ أمن لبنان واستقراره في عين الرعاية والحماية.
وإن كان على مستوى المؤسسات، فالبرلمان عاطل عن العمل التشريعي والرقابي ولم يعد هناك مكان يصل اليه أعمق من هذا الإنحدار. والحكومة مشلولة ولا أمل بشفائها، رئيسها تمام سلام يكاد يفقد صبره ويبقّْ الاستقالة، لكنّ ذلك ممنوع ومحظور، إذ ثبُت أنّ الحكومة أقوى من الجميع، وقوّتها في ضعفها وترهّلها.
وإن كان على مستوى الحوار، فلا يجرؤ أيّ طرف على نسف حلقة الوصل هذه، حتى ولو لم تصل الى نتائج.
– ثانياً، لناحية الانفراج، فعناصره ومكوّناته غير مكتملة، حتى لا نقول معدومة. الانقسام السياسي لا يُبشّر بانفراجٍ مجلسي او حكومي، ورئاسة الجمهورية أدخلتها التعقيدات في متاهة مقفلة، ويكاد يرسخ في الذهن اللبناني بأنّ انتخاب رئيس في ما تبقى من العام 2016 بات أمراً مستحيلاً. أما اللاعبون على المسرح الرئاسي فيتحرّكون كلّ في مكانه ولا خطوات الى الأمام:
• الرئيس نبيه برّي، يقول إنّ الرئاسة تتطلّب معجزة. ورهانه على السلة: «امشوا بها، وأنا أضمن انتخاب رئيس للجمهورية في اليوم التالي».
• النائب وليد جنبلاط، تشغله التطورات الإقليمية، ومتناغم مع برّي لأبعد الحدود، ومع ذلك قطع الأمل بالرئاسة، صار الوضع اللبناني محلّ تهكّم لديه، وغادر في إجازة «مع تيمور في كورسيكا، لا في أحزاب، ولا أمن، ولا سياسة، ولا رئاسة، ولا مَن يحزنون».
• النائب سليمان فرنجية، ماض في إجازته، وفي التزامه ما اتفق عليه في بكركي، رصد سقوط حوار عون – الحريري، ولكنّه لم يبلع الحوار بعد، وليس مطمئناً، وعينه «عَمْ ترفّْ».. وما زالت على الحريري.
• الرئيس سعد الحريري، طار الى تركيا في زيارة لم تُفهم أسبابها ولا أبعادها، انتظره البعض في بيروت، فخاب أملهم، وعاد الى حيث كان ينتظر أن تفتح أمامه بعض الابواب في المملكة.
• النائب ميشال عون، راهن على معركة الحسم في حلب لتفتح أمامه باب القصر الجمهوري، وخسر. ثمّ راهن على حواره مع الحريري، وخسر أيضاً، وتوقف الحوار بينهما. ليطلق معركة قلب الطاولة والحرب على التمديد الحتمي لقائد الجيش العماد جان قهوجي. ثمّ قيل إنّ الحوار لم ينقطع نهائياً بين عون والحريري، بل استمرّ على نحوٍ ضيّق، وسواءٌ استمرّ او لم يستمر، فإنّ عون لم يقطع الأمل أساساً من الحريري، فهو ما زال ينتظر رداً منه وخصوصاً بعد الليونة التي أبداها السيد حسن نصرالله في ما خص التعاطي المرن مع رئاسة الحكومة المقبلة.
• «حزب الله»، لا يرى أنّ الأفق الرئاسي مفتوحٌ في المرحلة الحالية، وقد قدّم أقصى ما لديه دعماً لترشيح عون لرئاسة الجمهورية، وربطاً بذلك رفد موقفه في الحوار الرئاسي مع الحريري بموقف واضح على لسان السيد نصرالله مباشرة، علماً أنه لم يكن يتوقع إيجابيات حريرية من هذا الحوار، ولا من الحوار السابق بين عون والحريري ونصيحته الدائمة لحليفه «الحذر ثمّ الحذر ثمّ الحذر»… وعلى عكس المنتظرين ردّاً من الحريري، فـ«حزب الله» يقارب هذا الحوار بأنه انتهى، وأنّ الحريري لدغ عون من الجحر مرّتين.
• البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، حاول أن يجمع القيادات المارونية، ويأخذهم الى التوافق على مرشح منهم. ولم يوفق في ذلك. الانقسام بين هؤلاء كان الأقوى، ولذلك تراه يقف موقف الناصح لا أكثر، والمحذّر الدائم من استمرار الفراغ في السدة الرئاسية، والقلق على مصير المسيحيين.
• سمير جعجع، من جهة يؤيّد ترشيح عون، وليس لديه ما يؤكد إجراء الانتخابات الرئاسية في المدى المنظور، لكنّه لم يقم بما يمكن أن يُسهّل انتخاب عون، بل العكس، إذ يهاجم بقسوة «حزب الله» الذي يرشّح عون أيضاً، وخصومه يتّهمونه بأنه بهجومه على الحزب يحاول قصداً أو عن غير قصد كسر ولاء الحزب لعون. والأهمّ من كلّ ذلك أنه لم يبادر لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر تجاه السعودية بما يملك من صداقات فيها لحملها على تليين موقفها من عون.
• الولايات المتحدة الأميركية، جميع السياسيين باتوا على معرفة يقينية بأنّ لبنان رئاسياً، لا مك الانقسام السياسي لا يُبشّر بانفراج مجلسي أو حكومي، والرئاسة أدخلتها التعقيدات في متاهة مقفلة ان له في أجندتها. وليس لدى الإدارة الحالية أيّ مبادرات لا حول التعجيل بإجراء الانتخابات الرئاسية ولا حول تزكية مرشح معيَّن. كلّه مؤجّل الى ما بعد انتخابات الرئيس الأميركي الجديد.
• فرنسا، دخلت على الخط الرئاسي في لحظة معيّنة، سعَت مع إيران وفشلت، تواصلت مع «حزب الله» ولم تصل الى نتيجة. وفي نهاية الأمر خرجت من هذه اللعبة وانكفأت الى أولوياتها الداخلية.
• الفاتيكان، وكما ينقل زوّاره في الآونة الاخيرة، عاتب بشدة على القيادات المسيحية وممتعض من اختلافاتهم، ويبدو أكثر المتحمّسين لإجراء الانتخابات الرئاسية، وتواصله دائم مع جهات دولية وإقليمية وتحديداً مع إيران.
• إيران، ملتزمة التزاماً نهائياً موقف «حزب الله».
• السعودية، أولويّاتها في أمكنة أخرى، وليست متحمّسة للالتفات الى لبنان حالياً، كما يقول مطّلعون، خصومها يعتبرون أنّ قفل الرئاسة معها وهي تُصرّ على عدم فتحه، وموقفها نهائي ولم يتغيّر من رفض عون وهو ما لمَسه مستفسرون في الآونة الأخيرة.
أمام كلّ هذا المشهد، كيف للانفراج أن يحصل وكيف للانفجار أن يشتعل، فضلاً عن أنّ أيّاً من القوى الداخلية مهما علا صراخها ليست في وارد التوتير ولا تملك القدرة على تحمّل تبعات هذا التوتير إن حصل؟