الحديث عن التعيينات شكّل دائماً مشروع مشكل لبناني في وجه كلّ الحكومات اللبنانيّة المتعاقبة، وغالباً ما يجري التعبير عن مشروع المشكل هذا بمصطلح «سلّة تعيينات»، والمرادف الدّقيق لمفرد سلّة هو «محاصصة» هذا هو المعتاد في الطقوس اللبنانيّة.
وما يتابعه اللبنانيّون منذ جلسات الموازنة الحكوميّة، والاستعراض الذي انتظره رئيس التيار الوطني الحرّ الوزير جبران باسيل على هامش الموازنة، وبأن هذا الاستعراض ما يزال مستمراً وهو لم يبلغ ذروته كما يظنّ البعض بمشروع أزمة مع السعوديّة، فالوزير باسيل لم يجرؤ على تسمية العمالة السوريّة فقط التي تنافس اللبنانيين في لقمة عيشهم فتذاكى وزج بالفرنسيين والأميركان والسعوديين ومرّر بينهم «السوري»، هذه الوتيرة تصاعديّة ومستمرّة وستبقى وتزداد تصعيداً مع الجلوس إلى مائدة ملفّ التعيينات الذي سيترتّب عليه أزمة على مستوى كلّ الفرقاء الشركاء في الحكومة قد لا يستثني منها الوزير الذي يسعى لجمع صلاحيات كلّ الرؤساء في يده وحده، والأكل من صحون كلّ الطوائف مع الإنفراد بأكل الصحن المسيحي كاملاً إن أمكنه الأمر، وللمناسبة غالباً ما يتيح حزب الله للوزير باسيل فرصة التسلّط والتحكّم والتعطيل بعد أن يكون الحزب فرض ما ومن يريد على الجميع!
هل يحمل البلد مشكلاً جديداً ومن النّوع الذي تناسب شعبويّته الحديث عن حصّة المسيحيّين وحقوق المسيحيّين واسترجاع حقوق المسيحيّين وكأنّ رئيس التيار الوطني الحرّ هو المسيحي الوحيد مع تياره والمسيحيين الآخرين لا يحقّ لهم بأن يتمثّلوا إلا بما يراه هو مناسباً، وللأمانة آخر همّ المعنيين والمسؤولين إن كان يحتمل أو لا يحتمل اشتباكات يوميّة وحروباً عشوائيّة على كلّ ملفّ حكومي حياتيّ آخر همومهم حال المواطن اللبناني وحال لبنان!
كلّ ما يعايشه اللبنانيّون مفتعل ومتعمّد وهو إمعان في رغبة متوحّشة للبقاء في عين الأضواء ولكسر عين المواطن اللبناني، في البدايات الوزاريّة الأولى لجبران باسيل في وزارة الاتصالات أمضى اللبنانيّون أشهراً وهم يشاهدونه يعقد وبشكل يومي مؤتمراً صحافيّاً، اليوم وبعد هذه السنوات تتفاقم الأمور وتتضخّم هذه الرّغبات الجامحة التي تكاد تطيح بلبنان عن بكرة أبيه من كثرة ارتجال الشعبويّة!
إلى أين سيقود الإرتجال البلد والحكومة واللبنانيّين؟! لا أحد يعلم، خصوصاً وأنّ اللغة الديبلوماسيّة معدومة، وإدراك المسؤوليّة التي تجعل هذا المنصب يختصر السياسة الخارجيّة للبلاد وأنّ الخارجيّة تتعاطى بالموقف والخطاب المدروس، إلا أنّها تعيش زمن «الدوارة» من منطقة إلى أخرى ومن حفل إلى آخر كأنّها في زمن انتخابات نيابيّة، وليس بخافٍ على أحد حالة التحسّر التي يبديها اللبنانيّون على الخارجيّة وزمن رجالات من خامة وقامة الرّاحليْن غسان تويني وفؤاد بطرس.
التهدئة في لبنان، ليست أكثر من تقطيع وقت مضجر بين «مشكل» و»مشكل»، وما أكثر مشاريع المشاكل في لبنان، وإصرار البعض على إدارة الأمور بهذا الأسلوب المستفزّ والمنفّر، خصوصاً وأنّ هذا البعض يجد من يُصفّق له ويُرائيه ويُنافقه ويضعه في مصافّ كبار رجالات الموارنة والإيحاء له بأنّه يختصر تجربتهم في شخصه، وطالما الأمور ستستمرّ على هذا المنوال «كلّها يومين» وسيبدأ «مشروع مشكل» جديد تندلع معه يوميات حرائق لبنانيّة معتادة!