IMLebanon

«تقترب في السياسة… نقترب في الرئاسة»

المعادلة الأساسية التي يمكن استخلاصها من المقابلة التي أجراها الزميل وليد عبود مع الدكتور سمير جعجع في موضوع الحوار بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» تُختصر بالآتي: تقترب منّا في السياسة، نقترب منك في الرئاسة.

كان جعجع حاسماً في اتجاهين: التشديد على مواصلة الحوار مع عون وتوفير كل الظروف المواتية لإنجاحه، والتأكيد بالمقابل أنّ أحداً لا ينتخب شخصاً لا يمثّل مشروعه السياسي، خصوصاً بعد مواقف عون الأخيرة التي دلّت الى وجود هوة كبيرة من قوله انّ القرار ١٥٥٩ ملتبس، إلى الإشادة والاعتزاز بقتال «حزب الله» خارج لبنان وإعلان انتسابه إلى محور المقاومة، الأمر الذي أظهر بالملموس أنّ الأمور «تتطلب وقتاً لتقريب المسافة بيننا»، وفق ما أكد جعجع.

فالكرة اليوم في ملعب الجنرال، وما قاله جعجع لا يختلف عليه اثنان، وعون يدرك ذلك، لأنه لا يستطيع أن يطلب من أخصامه انتخابه من دون أن يقوم بأيّ جهد سياسي للإعلان بأنه على استعداد لتموضع وسطي، كون من يكفل لهم ألّا يترجم، إذا انتخب رئيساً، التوجهات التي كان عَبّر عنها قبل انتخابه، خصوصاً أنّ عامل الثقة مع عون مفقود نتيجة التجربة الطويلة الحافلة بمحطاتها وذكرياتها.

وإذا كان أحد لا يضمن عدم تراجع عون عن مواقف أعلنها في سياق تظهير وسطية تؤمن له العبور إلى الرئاسة الأولى، إلّا انه سوف يتهم بالتراجع عن التزاماته وتعهداته، ويتحوّل عهده إلى عهد فئوي، ويعجز عن ممارسة حكمه وسلطته ودوره، ويكفي العودة إلى تجربتي الرئيسين إميل لحود وميشال سليمان لاستخلاص العبر.

ولكن بما أنّ أحداً لا يضمن ثباته على وسطيته، لماذا مطالبته باتخاذ مواقف تجسّد هذه الوسطية؟ والإجابة واضحة، لأنه في حال عدم مطالبته لن يكون بمقدور ١٤ آذار دعوته إلى الوقوف على مسافة واحدة، حيث سيواجه أيّ دعوة من هذا القبيل بإحالة هذه القوى على مواقفه التي لم يبدّلها ويغيّرها، بل وافقت على انتخابه على أساس المواقف التي أعلنها.

ومن هنا فإنّ تموضعه ليس مسألة تبسيطية يمكن التغاضي عنها، وفي حال لم يُقدم على هذه الخطوة يتحمّل وحده مسؤولية عدم انتخابه وإبقاء الرئاسة شاغرة. فلا يستطيع أن يطلب من الآخرين مساعدته من دون أن يساعدهم ويساعد نفسه، خصوصاً أنّ رئيس الجمهورية لا ينتخب لسنة واحدة ويمكن إسقاطه بأكثرية بسيطة، بل ولايته لست سنوات وظروف إزاحته دونها عراقيل دستورية وميثاقية، وبالتالي لا يمكن المجازفة بخطوة من هذا النوع.

وعلى أهمية البعد التمثيلي المسيحي، إلّا انه غير كاف في الظروف الانقسامية التي تعيشها البلاد، إلّا في حال كان هذا التمثيل أحادياً، فيتحول إلى أمر واقع على الجميع. وأما في ظل الثنائية القائمة، فلا خيار سوى بين اثنين: إمّا أن يتحوّل عون إلى وسطي، لأنّ جعجع ليس في هذا الوارد، وإمّا أن يتفق هو وجعجع على مرشّح ثالث وسطي.

وفي حال ظلّ عون متمسكاً بترشحه، فما عليه سوى أن يبدّل بتموضعه من أجل أن يبدّل جعجع بدوره بموقفه من انتخابه رئيساً. وكان من الواضح جداً قول جعجع لعون: «لقد اختلفنا بما فيه الكفاية وأتى الوقت لكي نتفاهم»، ودعاه إلى التفاهم «من دون سَلق الأمور» ومتابعتها «خطوة وراء خطوة» وعَبّر عن نيّته «التوصّل إلى اتفاقات جذرية» مع عون، ما يعني أنّ سقف التفاوض مفتوح، ولا يوجد أيّ فيتو على أي شخص، كما أكد بيان «القوات» مطلع هذا الأسبوع.

ومع اقتراب الحوار القواتي-العوني من الانتهاء من المرحلة الأولى المتصلة بالنوايا من أجل الدخول في المرحلة الثانية المتعلقة بالرؤية السياسية، لا بد لعون من أن يطلّ على اللبنانيين ببرنامجه الرئاسي الذي يضع عبره حداً لأيّ التباس، خصوصاً أن حياته السياسية شهدت تقلبات بخلاف مسيرة جعجع السياسية.

فعلى عون أن يعلن ومن ثم يُثبِت أنّ وصوله إلى الرئاسة لن يطيح الهندسة السعودية-الإيرانية، واستطرادا السنية-الشيعية التي ترجمت بتأليف حكومة وقيام حوار ونشوء ميزان قوى ولّد استقراراً سياسياً. فلا «حزب الله» في وارد الإطاحة بهذا التوازن، حتى لمصلحته، في ظل استمرار الخطر الأصولي وحاجته لتيار «المستقبل» بغية أن يتكفّل بمواجهته.

ولا «المستقبل» في وارد الإطاحة بدوره بهذا التوازن، حتى لمصلحته، لأنّ البديل سيكون انزلاق لبنان نحو الفوضى، وبالتالي الاستقرار السياسي اللبناني في هذه المرحلة يشكّل حاجة عربية ودولية وسنية-شيعية، وحظوظ عون الرئاسية ترتبط بمدى قدرته على إثبات أنّ وصوله سيشكل تعزيزاً لهذه الهندسة، لا نسفاً لها.

ومن هنا أهمية أن يعلن عون وقوفه على مسافة واحدة من المحاور الإقليمية والصراع السني-الشيعي، بعيداً عن ترجيح كفة أيّ طرف على آخر، لأنه في العمق والحقيقة لا أحد يريد اليوم أن يحرّك الستاتيكو القائم، لا «المستقبل» ولا الحزب، ولا السعودية ولا إيران ولا المجتمع الدولي.

فلا أحد يريد من عون أن يمدّه بخدمة التفوّق على غيره، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع عون أن يكون شريكاً في تثبيت الستاتيكو، أم يفضّل، كعادته، أن يكون في الموقع المناقض للتقاطع الدولي-الإقليمي-المحلي حول النظرة إلى لبنان في هذه المرحلة؟