لا يفوّت رئيس كتلة “المستقبل” مناسبة أو موقفاً، إلا يجدد التذكير بالثوابت السياسية لتياره، ولا سيما حيال “حزب الله”. لكن مواقفه الاخيرة أثارت هجوما شرسا شنه الحزب عليه، لم يجد الوسط المستقبلي ما يبرره.
لا تخلو البيانات الاسبوعية لكتلة “المستقبل” من المواقف العالية النبرة حيال سياسة “حزب الله” وتورطه في سوريا وتداعياتها على الداخل اللبناني. لكن كل تلك البيانات، معطوفة على المواقف الشخصية لرئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة، وإن جاءت أحياناً لتخالف السياسة العامة للتيار الازرق، كما يتراءى للبعض، لم تخرج في الواقع عن تلك السياسة، ولا سيما بعد انطلاق الحوار مع الحزب.
حافظ السنيورة على هامش مناورة بالنسبة إلى الملفات التي صنفت تحت خانة “الخلافية”، والتي ظلت خارج جدول اعمال طاولة الحوار، فلم يتراجع عن تجديد مواقف تياره منها.
ظن الحزب أنه بانطلاق الحوار، وبعد الاحتفال السياسي والشعبي بذكرى 14 شباط، اختُصرت الحركة الاستقلالية بالتيار، تماما كما هي الحال بالنسبة إلى تحالف 8 آذار الذي بات يُختصر بالحزب – وهكذا كان الوضع أساساً – لكن تبني السنيورة للمجلس الوطني لقوى 14 آذار وإعلانه صراحة مساهمته في صياغة بيانه الختامي، أثار حفيظة الحزب نظرا إلى المقاربة التي تجمع بين المجلس الوطني السوري والمجلس الحديث الولادة محلياً.
ولكن هل هذه الاسباب كفيلة بأن تجعل الحزب يخرج عن طوره ويرفع سقف هجومه بهذه الوتيرة على رئيس كتلة “المستقبل”، فيما كل أجواء الحوار بين الجانبين تشي بأن الامور تسير بشكل طبيعي والنقاشات تسجّل تقدماً لا بأس به؟
لا يعير السنيورة الحملة عليه أهمية. ولكن مصادر بارزة في كتلته لا تخفي امتعاضها من الاستهداف الشخصي له.
ولدى سؤالها أين تضع هذه الحملة، تشير إلى ان لا أجوبة واضحة تبرر الامر. لكن المسار الهجومي الذي بدأ تدريجاً قبل فترة قصيرة وارتفعت حدته أخيراً، يأتي على مسافة أيام قليلة من توجه السنيورة إلى لاهاي للإدلاء بشهادته أمام المحكمة الخاصة بلبنان الناظرة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو ما يجعل الصورة أوضح، خصوصا إذا أجرينا قراءة هادئة للهجوم ومعطياته وعناصره.
في أي مراجعة تجريها المصادر المستقبلية للمواقف الهجومية التي استهدفت السنيورة، وآخرها على لسان الوزير السابق وئام وهاب الذي بلغ به الامر اتهامه بأنه جزء من المشروع الاسرائيلي، يظهر جلياً أن ثمة قراراً بتهشيم صورة السنيورة وتشويهها لضرب صدقيته أمام المحكمة، خصوصاً أن شهادته قد تكون الابرز والاهم، نظراً إلى العلاقة الوطيدة التي كانت تجمعه بالرئيس الحريري وتجعله الاقرب اليه على كل الصعد، وحافظ أسراره.
من كلام وهاب إلى كلام رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد الذي سأل عن صفة السنيورة، وهو ما يعزز انطباع هذه المصادر عن النية الواضحة لنزع أي صفة عن الرجل، معطوفة عليها دعوة مبطنة إلى استبعاده، تتلمسها المصادر في دعوات الحزب إلى الرئيس سعد الحريري “لتخفيف بعض الاثقال”.
ومن هذا المنطق، تستطرد المصادر في قراءتها لأسباب الحملة على السنيورة أن ثمة سبباً آخر يدفع إلى ضرب صورة الرجل وإحداث شرخ بينه وبين الحريري، وخصوصاً أن لهذه المصادر معطيات تشي بأن الحزب وحلفاءه يربطون عودة زعيم “المستقبل” إلى رئاسة الحكومة بضرورة إبعاد السنيورة عنه.
في أي حال، تتجه الانظار اعتبارا من الاثنين الى لاهاي حيث يبدأ السنيورة الإدلاء بشهادته، وهي شهادة ينتظر أن تحمل الكثير عن تلك المرحلة التي سبقت استشهاد رفيق الدرب.
قبل أسابيع، أجّل السنيورة شهادته لأسباب صحية، لم تقنع بعض الاوساط التي ربطت التأجيل بانطلاق الحوار ورغبة “المستقبل” في عدم التأثير في مساره.
فماذا عن الشهادة اليوم؟ وهل تفتح الباب أمام مسارات جديدة في علاقة الحزب بالتيار ولا سيما أن خمسة من عناصره في قفص الاتهام؟