يتكهن خبراء اقتصاديون والبنك وصندوق النقد الدوليان بأن الحالة الاقتصادية في لبنان تسير إلى الأسوأ خلال العام القادم. السياحة توقفت واللبنانيون في الخارج باتوا لا يقصدون لبنان لقضاء إجازاتهم فهم يلتقون مع أقاربهم وأصدقائهم في الخارج.
قطاع التجارة أيضاً متدهور، إمكانية التصدير البري معدومة وكلفة التصدير جواً أو بحراً عالية، وكذلك بالنسبة إلى القطاع العقاري حيث حركة البيع والشراء تقريباً متوقفة بالرغم من استمرار بعض المقاولين أصحاب رؤوس الأموال بممارسة أعمالهم بتروٍ.
هذه الحالة لا تحتاج إلى تقارير «البنك» و «الصندوق»، فجميع اللبنانيين يشعرون بها، ويتصرف معظمهم على أساس أن القادم أسوأ من الزمن الحالي، خاصة أنه ليس هناك بصيص أمل لحل قريب لحروب المنطقة ومنها الحرب السورية.
اللبنانيون أيضاً يعرفون أن الانحدار الاقتصادي التدريجي وانخفاض معدل النمو ابتدأا مع الانتفاضات والحروب العربية في العام 2011 وخاصة مع بدء الحرب السورية، ولم يبدأا مع انعدام الاستقرار السياسي في لبنان العام 2005. لكن من دون شك، الوضع الداخلي غير المستقر عنصر رئيسي ومساعد للتدهور الاقتصادي في معظم القطاعات الاقتصادية.
يبقى القطاع المالي الذي تأثر كثيراً بعدم الاستقرار الأمني والسياسي، الإقليمي والمحلي، بالإضافة إلى هبوط سعر النفط خلال العام 2015 إلى أقل من نصف سعره في العام الفائت، وانخفضت معه التحويلات إلى المصارف اللبنانية، خاصة من اللبنانيين في الخارج، إلى حوالي النصف، بعد أن تجاوزت العام 2010 الـ12 مليار دولار. لكن ما زالت التحويلات الراهنة تسمح للمصارف اللبنانية بأن تسد عجز الدولة ومن ضمنه خدمة الدين العام.
ومن المهم التنويه أن انخفاض سعر النفط كان له الأثر الإيجابي على فواتير الكهرباء والتدفئة والبنزين للبنانيين كافة.
من هنا، فإن التهويل والتخويف من انهيار اقتصادي ليس فقط في غير محله، إنما أيضا يضر بالاقتصاد الوطني. كذلك إن الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس النواب، الذي لم يجتمع سوى للتمديد لنفسه، لأن اقتصادنا بخطر، أو لأن إقرار المشاريع الواردة في جدول الأعمال سيمنع التدهور الاقتصادي، هو إهانة لكل عقل بشري.
وبالرغم من أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى تأجيل تنفيذ إجراءات مماثلة لسنتين، تجب المسارعة لإقرار هذه التشريعات المالية المطلوبة من النظام المالي العالمي والتي تتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتبادل معلومات ضرائبية، إضافة إلى انتقال الأموال النقدية من وإلى لبنان والتي يبدو أنها حددت بـ15 ألف دولار، مقارنة بعشرة آلاف دولار في الولايات المتحدة وعشرة آلاف يورو في دول الاتحاد الأوروبي. يجب أن تبحث مشاريع القوانين هذه وتقر في مجلسَي النواب والوزراء بأسرع وقت ممكن، خاصة أنها موجودة في الأدراج منذ أكثر من عام.
لكن، هل هناك ضرورة لإقرار مشاريع تزيد الدين العام بحوالي ملياري دولار أميركي حتى لو كانت بسعر فائدة منخفض لأن التمويل الخارجي الأساسي هو من مؤسسات دولية؟ إن إقرار هذه المشاريع لن يؤثر إيجابا في أي من القطاعات الاقتصادية، خاصة أنها تتطلب من لبنان استملاك الأراضي – أي شراءها نقدا – في زمن يشدد فيه وزير المال على أن ليس لدى الوزارة التي يتولى إدارتها المال لدفع معاشات موظفي الدولة والجيش والأمن. هذا مع العلم أن مؤسسات التنمية الدولية والإقليمية كانت دائما تعاني من عدم تنفيذ مشاريعها في لبنان في الوقت المحدد لها عند إقرارها، وكانت تؤجل مرات عديدة موعد الانتهاء من العمل بالمشاريع، وكثيرا ما ألغت قسما من تمويلها للمشاريع بسبب الإبطاء او انعدام التنفيذ.
بكلام آخر، إن إقرار هذه المشاريع لا يؤثر ايجاباً في النمو الاقتصادي في لبنان بل يزيد الدين العام وقد يزيد أيضا الفساد، بينما الاتفاق على قانون انتخابات جديد وحديث وعادل ومنصف وميثاقي يعيد الاستقرار السياسي إلى لبنان ويؤثر إيجابا على النمو الاقتصادي.
إن ما يشكو منه لبنان ليس قلة المشاريع ولا قلة الفساد ولا المواجهات والصدامات السياسية. لبنان يشكو من انعدام الحوار الجدي لحل مشاكله، ومن عدم الاستقرار السياسي، وغياب الشراكة الوطنية الحقيقية منذ انتهاء الحرب الأهلية. لبنان يشكو من عدم أخذ الماضي عبرة لحاضرنا ومستقبل أولادنا وأحفادنا. لبنان يشكو من التغيير الدائم في مواقف بعض السياسيين وملاءمتها مع المصالح الشخصية من دون اعتبار المصلحة الوطنية العليا. وأخيراً وليس آخراً، لبنان يشكو من استمرار المنظومة الأمنية السياسية التي استعملها النظام السوري خلال سنوات وصايته على لبنان.