Site icon IMLebanon

 13 نيسان… الدوامة  

 

 

تحلّ غداً ذكرى الحرب الملعونة في ذلك الثالث عشر من نيسان 1975. سِتة وأربعون عاماً وهذا الوطن الصغير المُعذّب في دوّامةٍ جهنمية يتعذّر خروجه منها. مع أن أيام الحرب (التي تناسلت حروباً) بالرغم مما حفلت به من ضراوة وشراسة ودماء، ومشيئة الميليشيات، كانت أقلّ ثقلاً على عاتق اللبنانيين من هذه الأيام، اعتقاداً منهم أن الاقتتال هو مجرّد ضريبة، لا بد من تسديدها، لقيام وطنٍ أكثر بهاءً وإشراقاً وتطوّراً. كان ثمة أملٌ بأن النور سينبثق ساطعاً في آخر النفق. واليوم، من أسفٍ، بل من حزنٍ أليم، لا أبواب تُفتح، ولا حتى نوافذ، ولا أيضاً مجرّد كوّة على انبثاق فجرٍ جديد.

 

كان للحرب أهدافٌ عديدة، معظمها، إن لم تكن كلّها، خارجيّة، في وقت ظنّ أطرافها في الداخل أنهم سيحققون مصالح ليتبيّن، في النتيجة، أن الجميع خاسرٌ، لا فرق بين طرفٍ وآخر، إلا بحجم الخسارة على الصعيد الذاتي. ونقصد هنا ما حققته أو لم تُحققه القبائل والطوائف والأنانيات أيضاً، إذ عندما يسقط الوطن، يكون سقوطه عظيماً على الجميع. وعندما ينهار الهيكل، لا ينجو طيفٌ أو فئة أو جهة أو مذهب أو طائفة.

 

والحقيقة أن تُقال. كان مطلوباً إسقاط لبنان الذي عرفه جيلنا، ومن سبقنا من آباءٍ وأجداد، ولم يُقدَّر للأجيال الشابة الحالية أن تتعرّف على مزاياه الفريدة. أجل كان مطلوباً إسقاط ذلك اللبنان الرائع، الرائد، الفريد في مُحيطه، لأنه من جهة كان نقيض «إسرائيل» بتعدّده، بينما هي كيانٌ عنصري مزروعٌ في المنطقة ليَحول دون نموّها وازدهارها، بالرغم مما تختزن في باطنها من ثرواتٍ هائلة، خصوصاً الذهب الأسود (النفط).

 

وفي المقابل، كان الأشقاء العرب «يغارون» من لبنان قدر ما كانوا يُريدونه منتجعاً ومدرسةً وجامعةً في صحرائهم. ومن عرف بيروت قبل الحرب، وعرف المُدن العربية التي ازدهرت لاحقاً، يتبيّن له الواقع كما كان، وكيف انقلبت المُعادلة (…).

 

ولا يزال السؤال مطروحاً، وبإلحاح: كيف قُدّر للأطراف المُشاركة في الحرب أن تحصل على كمّياتٍ ضخمة من السلاح، بما يفوق قدراتها وطاقاتها وإمكاناتها المالية؟!.

 

وكذلك، لماذا كان بعض العواصم يُزوّد غير طرفٍ من المقاتلين بالمال والسلاح والعِتاد، فلا تُقتصَر «مُساعدته» على طرفٍ واحد؟!.

 

باختصار، كان يجب أن يتبدّل وجه لبنان. فتبدّل. وتغيّر الوطن، فسقط ذلك البلد الجميل بمفاهيمه وليس فقط بطبيعته، ليحلّ محلّه هذا البلد المشوّه، الغارق في الفساد والفوضى والفقر والجوع والإذلال والارتهان وتناتش ما تبقّى من البقرة الحلوب التي لم يبقَ منها سوى الجلد المُهلهل والعظم المجروم.

 

… وأكثر ما يؤلمني أن أبناءنا لم يعرفوا ذلك اللبنان – الحلم الذي راح ولن يعود.