في مثل هذا اليوم، يستذكر اللبنانيون الحرب الاهلية الاليمة وما فعناه ببعضنا البعض وما فعله الاشقاء العرب فينا وكيف تحول لبنان الى بلد شهيد في تلك الحقبة. اليوم، ورغم مرارة الذكرى، ولو ان المصالحة اتت بعد زمن، ضمد المسيحيون جراحهم بمصالحة تاريخية بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع والتي انهت جزءاً كبيراً من الانقسامات والتشرذم في صفوف المسيحيين. لقد تعلم المسيحيون ان اخطاء الماضي التي ادت الى التباعد فيما بينهم ووصلت حد الاقتتال اضعفت من موقفهم وجعلت بعض الافرقاء يستغلون هذا التباعد ويلعبون على التناقضات لينفذوا اجنداتهم.
المسيحيون اخطأوا في الحرب الاهلية عندما اقدموا على تحالفات اضرت بتاريخهم النضالي وبعقيدتهم المسيحية الجوهرية واضحى واضحا لهم ان اسرائيل هي التي تسعى الى تهجيرهم والتآمر عليهم. لقد تعلم المسيحيون ان الشراكة والتضامن مع اخوتهم المسلمين هما نقطة قوة لهم وللبلاد وخير دليل على ذلك ما شهدناه من تحالفات سياسية بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل من جهة وبين التيار الوطني الحر وحزب الله من جهة اخرى، الامر الذي لم يكن قائماً خلال الحرب.
وفي الوقت ذاته تعرض المسيحيون الى اضطهاد من افرقاء داخليين وخارجيين بتهمة المارونية السياسية كنهج في البلاد، رغم ان ذلك كان امراً مبالغاً فيه من قبل الافرقاء الاخرين، فبدأت الحرب تحت شعار المساواة في الحكم بين المسيحيين والمسلمين وانتهت بشعارات وبأهداف وغايات مختلفة انهكت الوطن وتركت اثارا دامية بين ابناء الوطن الواحد.
اما المسلمون فقد ذاقوا الامرين في الحرب الاهلية وقد تعلموا ان الاتكال على الخارج لم يجد نفعا لا بل تحولوا الى وقود في الحرب التي لم يسلم منها احد. المسلمون كانوا على حق في توجههم العربي وفي الدفاع عن القضايا العربية وعلى رأسها فلسطين، الا انهم تعلموا ان الدفاع عن فلسطين ما كان يجب ان يصل الى حد وضع لبنان في «بوز المدفع» واحراق البلاد من اجل الغير.
في 13 نيسان، توقظ الذكرى جراحاً وآلاما دفينة في نفوس اللبنانيين وكيف ينسون ذلك وقافلة الشهداء كبيرة عند كل الطوائف اللبنانية. بعض الابنية بقيت عليها آثار الرصاص الذي نخر جدرانها و«اوتيل هوليدي ان» ما زال محروقا غير مرمم تبرز عليه اثار البارود، وتذكر بخطوط التماس التي وضعها المقاتلون يومذاك.
كل الاحزاب اللبنانية التي شاركت في الحرب ما زالت تتمسك بوجهة نظرها حيال ما حصل خلال الحرب الاهلية وكل المقاتلين الذين حاربوا في الشوارع والاحياء في بيروت وخارجها يعللون سبب انخراطهم من وجهة نظرهم الا ان جميعهم يرددون: «تنذكر وما تنعاد».
13 نيسان ذكرى حزينة لبلد استشهد على يد ابنائه لذلك فلنكف عن القاء اللوم على تدخلات واطماع الدول في تزكية الحرب في لبنان او بتسميتها حرب الاخرين على ارضنا ولنتحمل مسؤولية افعالنا وجرائمنا وتطلعاتنا الخاطئة لمفهوم الوطن كي لا يتصادم اللبنانيون مرة جديدة وليس بالضرورة عسكرياً بل يمكن ان يكون تصادما سياسيا يعمق الهوة بين ابناء المجتمع الواحد ويزيد الشرخ في ما بينهم الى حد يضحون ينفذون مشروع التقسيم دون ان يدروا ما يفعلون.
في نهاية المطاف، لن يشفى لبنان من جراحه ولن يتقارب اللبنانيون من بعضهم اذا لم يضعوا لبنان اولوية لهم بدلا من وضع السعودية وايران وسوريا في سلم اولوياتهم. فلنفكر لمرة واحدة بمصلحة لبنان قبل اي شيء، قولا وفعلا لان محبة الوطن هي الدواء الشافي لكل الامراض التي تفتك به.