IMLebanon

13 نيسان المتجدّد… حروب “المأزومين” على أرض “كلّ المحرومين”!

 

 

يكتشف من يتابع الصحف ووسائل الإعلام اللبنانية ويغوص أكثر في الأرشيف أنّ أحداث لبنان ومصائبه لا تتغيّر على رغم تبدّل الأشخاص، فكأنّه محكوم على هذا البلد الإستمرار في مهبّ أتون الصراعات والحروب التي لا تنتهي.

 

مرّت على لبنان تواريخ عدّة، لكن يوم 13 نيسان 1975 ما زال راسخاً في ذهن الأغلبية الساحقة من الشعب اللبناني. يومها حصلت حادثة «بوسطة» عين الرمانة الشهيرة التي شكّلت الشرارة الأولى لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، واستمرّت 15 عاماً ودمّرت البشر والحجر.

 

ويُعتبر هذا التاريخ بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على الدولة التي بنتها «المارونية السياسية» ولُقّبت حينها بـ»سويسرا الشرق». فالمجموعة السنّية ومعها مؤسّس الحزب «التقدّمي الإشتراكي» كمال جنبلاط وأحزاب اليسار ناصروا البندقية الفلسطينية وحاولوا استخدامها لتغيير المعادلات الداخلية وضرب «المارونية السياسية»، بينما «شلح» المسيحي بكلّ أطيافه «الكرافات» ووقف خلف أحزاب «الجبهة اللبنانية» مدافعاً عن الوجود ومانعاً تحويل لبنان وطناً بديلاً للفلسطينيين، ومُسقِطاً مقولة «طريق القدس تمرّ في جونية».

 

إنتهت الحرب الأهلية أو «حرب الآخرين على أرض لبنان»، ولم تنتهِ مفاعيلها، واليوم وبعد 48 سنة على ذكرى 13 نيسان، تبدو البلاد وكأنّها تعيش حرباً غير معلنة.

 

وما انطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية إلا التعبير الأبرز عن اضمحلال الدولة واستمرار الجنوب ساحة للصراعات الإقليمية، حتى ذهب البعض إلى حدّ القول إنّ «حماس لاند» جديدة تكرّست في الجنوب بدل «فتح لاند»، في حين يُشكّل سلاح «حزب الله» المربوط بإيران أحد أهمّ الأسباب الذي قد يفجّر حرباً جديدة مع إسرائيل، أو حروباً متنقّلة في الداخل.

 

لم تستطع الدولة جمع السلاح غير الشرعي، وبات «حزب الله» في موقع أقوى من الدولة وكأنّ التاريخ يُعيد نفسه، وإحدى أهمّ المشكلات في تلك المرحلة كانت ضعف الدولة وتحوّل أبو عمّار حاكماً غير معلن على لبنان، وخروج الجنوب وبعض المناطق عن سلطة الشرعية، فتحوّل الوطن الواحد دويلات طائفية ومذهبية وانقسم الجيش وانحلّت الدولة.

 

قد يكون القرار الداخلي والخارجي بالحفاظ على وحدة الجيش اللبناني في هذه المرحلة أحد أهم العناصر الذي يترك أملاً لدى اللبناني وتنقذ حلم بناء الدولة، إلا أنّ الناظر إلى المشهد العام، وبغضّ النظر عن العنصر الفلسطيني عام 1975، يكتشف تراكم الصراعات الداخلية والطائفية والسياسية وتوتّر الأجواء العالمية. فعند اندلاع الحرب الأهلية كانت الكرة الأرضية تعيش فترة الحرب الباردة وصراع الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي، في حين تعتبر الحرب الأوكرانية اليوم من أخطر الأزمات التي يعيشها العالم، وقد تفجّر حروباً متنقّلة بين الروس والأميركيين، على رغم تقهقر دور الروس العالمي.

 

ولا تزال صراعات الطوائف على حالها، لكنّ الجميع مأزوم، فالشيعة يحاولون فرض نفوذهم على كلّ الدولة مستخدمين فائض القوة والدعم الإيراني المطلق، ويستقوون بالسلاح، لكنّ هذا التقدّم لم ينعكس تكريساً لصلاحيات داخل المؤسّسات، باستثناء سيطرتهم على وزارة المال. ومن جهة ثانية، وعلى رغم سيطرتهم الداخلية، فهم مطوّقون خارجياً بعدما وضعت دول الغرب بمعظمها، «حزب الله» على لائحة الإرهاب، بينما أُغلق باب الخليج في وجه أبناء الطائفة، وبالتالي لم يُصرف فائض القوة في أي مكان.

 

وبالنسبة إلى الطائفة السنّية، فقد تكون تعيش أسوأ أيامها بعد ولادة لبنان الكبير، فعند نهاية الحرب، صوّر للبعض أنّ «إتفاق الطائف» هو انتصار للسنّة على الموارنة، لكنّ الأحداث أثبتت خسارة الجميع، وأتى قرار اعتكاف الرئيس سعد الحريري ليرفع من منسوب ضياع السنّة، وسط تسجيل عدم رضى سعودي على أداء السياسيين السنّة.

 

أما مسيحياً، فحدّث ولا حرج، فعامل القوة اضمحلّ وبات المكوّن المسيحي يبحث عن طروحات جديدة لحماية وجوده وعلى رأسها الفدرالية، فجغرافيا الإنتشار المسيحي تتراجع والديموغرافيا تخيفهم وهي أحد الأسلحة التي تستعمل ضدّهم، والمؤسسات التي فاخروا ببنائها مثل المدارس والجامعات والمستشفيات والمصارف تنهار، بينما الخلافات المسيحية السياسية موجودة بقوة، وعلى رغم الخوف على الوجود، لم يضع المسيحي رؤية موحّدة لتأمين استمراريته وحفاظه على لبنان الكبير.

 

وإذا كان المكوّن الدرزي فاعلاً أول الحرب، فقد تراجع دوره بشكل كبير وسط تطاحن الكبار، وحضوره مؤمّن بسبب نشاط رئيس الحزب «التقدّمي الإشتراكي» وليد جنبلاط وليس بفعل نصّ دستوري، ويُشكّل بحثه عن الأمان إحدى أهمّ نقاط ضعفه.

 

وبغضّ النظر عن صراعات المأزومين داخلياً، يبقى عنصر النزوح السوري أحد الأسباب الذي قد يشعل الحرب الأهلية. فحتّى الساعة لا يوجد قرار إقليمي ودولي بإعادة النازحين، تضاف إلى ذلك الصراعات المتنقّلة بين النازحين واللبنانيين وعدم رغبة بعض السوريين بالعودة إلى بلادهم، ومثلما كان هناك مخطط دولي لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، هناك دعم دولي وأوروبي غير محدود للنازح السوري ما يضع علامات استفهام حول مسألة توطينهم في لبنان وتغيير الديموغرافيا اللبنانية وضرب الصيغة والتوازنات المهتزّة أصلاً.

 

لا يمكن الرهان على حكمة قادة سياسيين «مأزومين» أوصلوا البلد إلى الإنهيار والإفلاس وتركوه بلا رئيس للجمهورية، وجعلوا كلّ فئات الشعب من «المحرومين». لذلك، ومع تأزّم الوضع الدولي والصراعات الداخلية، يبقى إحتمال تكرار سيناريو 13 نيسان وارداً… وإن بشكل مختلف.