Site icon IMLebanon

9 نيسان العربي  

لم تتضاءل الدلالات الرمزية لسقوط بغداد بيد القوات الاميركية. بل العكس. بمرور الزمن ظهرت ابعاد جديدة حجبتها في لحظة السقوط الشحنة العاطفية وحالت دون بناء صورة مختلفة للراهن والمستقبل العربيين.

أول ما جال في الخاطر في تلك الأيام وما حفلت به النقاشات كان استغراب الانهيار السريع امام الهجوم الأجنبي. وُضع وصول الجيش الاميركي الى العاصمة العراقية وسقوط نظام صدام حسين، وهو الأعتى والأشرس بين نظرائه العرب، في اطار الآثار التي خلفتها اعوام الحصار والعقوبات وحملات التفتيش الدولية، وهي التي أدت مجتمعة الى اضعاف الجيش العراقي وانهاء خرافة «اسبرطة العرب».

لكن هذا التفسير انطوى على نقصين. الأول انه لم يفسر سبب امتناع العراقيين العاديين عن المشاركة في الدفاع عن بلدهم بل ترحيبهم في عدد من المواقع بالمحتل. والثاني انه لم يتناول علّة الاخفاق في انتاج دولة عراقية تتمتع بالحد الادنى من التماسك، بعد اثني عشر عاماً على نهاية النظام السابق والعقوبات التي جلبها على البلاد.

راجت يومها فكرة تتحدث عن عجز الدولة العربية عن مواجهة أي تدخل جدي وكبير من الخارج وظهر من يدعو الى التخلص من انظمة الاستبداد العربية من خلال اغراء الولايات المتحدة بالقدوم لأداء هذه المهمة عنه. التقى هذا التوجه بسيطرة جماعة «المحافظين الجدد» التي احاطت بالرئيس جورج دبليو بوش في ولايته الأولى على السياسة الخارجية الاميركية. هو لقاء لم تنجم عنه سوى رؤى ضحلة وممارسات غبية فاقمت من مشكلات المنطقة.

مع بداية الثورات العربية، اكتسب حدث التاسع من نيسان (أبريل) 2003 عمقاً جديداً. ذلك ان الدولة العربية كشفت عن نقطة ضعف جديدة قد تكون اكثر خطراً من تفككها السريع امام أي تدخل اجبني كبير. نقطة الضعف تجلت في الافتقار الشديد الى المرونة في التعامل مع احتجاجات المواطنين، سواء كانت الاحتجاجات هذه سلمية او عنيفة. وتكشفت الدولة العربية عن هزال مدهش في قدرتها على الاستجابة للضغوط فانهارت وتفككت.

يظل هذا الكلام سليماً الى ان يجري تفحص أدق لبنية الأنظمة العربية التي انهارت، سواء في العراق او سورية او ليبيا او تونس او مصر. تقول النتائج المستخلصة من اربع سنوات ونيف بعد بداية الثورات العربية وبعد اثني عشر عاماً على سقوط بغداد، ان انظمة الاستبداد قادرة على اعادة انتاج نفسها بكفاءة باهرة. اذا اخذنا النموذج العراقي، على سبيل المثال، يظهر جلياً ان نهاية صدام لم تعنِ نهاية «الصدامية» كنهج في الحكم، على ما دلت تجربة نوري المالكي الذي جاء الى السلطة محملاً بنزعة الاستئثار واقصاء الآخرين كسلفه صدام حسين مضافاً اليها ثارات طائفية لا هوادة فيها ولا نهاية لها.

وفي كل مكان سقط النظام فيه، تمكنت «الدولة» من انتاج بديله المشابه. فحلت «النصرة» و»داعش» مكان الأسد، والقبائل المتأسلمة مكان القذافي، والسيسي مكان مبارك. لا فرق كبيراً في الممارسات والموقف من المواطنين بين الماضي والحاضر ولا تغيير يُذكر في الاعتماد على العصبية المذهبية والطائفية و»الجهازية» في بناء السلطة ومحتواها القهري خصوصاً.

وإذا كان من درس يجدر أخذه في الاعتبار من التاسع من نيسان، هو ان الدولة بمعنى تمثيلها العصبي والجهوي والطائفي، هي الحقيقة السياسية في هذه المنطقة وأن الدولة المدنية شعار بعيد المنال، حتى اشعار آخر.