IMLebanon

من نيسانات لبنان  الى نيسانات المنطقة

ليس هناك سوء حظ من دون بعض الحظ، حسب مثل اغريقي. والوضع اللبناني اليوم يتجاوز ما كان عليه من سوء حظ يوم ١٣ نيسان ١٩٧٥. لكنه، من بعض الحظ، ليس أخطر منه. أسباب الانحدار المخيف نحو البؤس الوطني والسياسي والاقتصادي والأخلاقي كثيرة. وسبب التقليل من خطورة الانفجار هو حاجة اللاعبين الكبار اقليمياً ودولياً الى خدمات يقدمها الوطن الصغير تحت مظلة تحمي الحد الأدنى من الاستقرار الأمني برغم الاهتراء السياسي.

ذلك أن لبنان عشية الحرب كان في حال أفضل من أحوال جيرانه: اقتصاد مزدهر. حياة سياسية حيوية. مشاركة في الحداثة والابداع في الشعر والقصة والمسرح والرسم والموسيقى والغناء. وصراع فكري على مستويات رفيعة، حيث الخلاف هو على التوفيق أو اللاتوفيق بين مقتضيات المصلحة الوطنية اللبنانية وسيادة الدولة وبين متطلبات القضايا القومية وعلى رأسها تحرير فلسطين. وخلال الحرب التي أخذت طابع حرب محلية واقليمية ودولية، بقي المجلس النيابي الذي مدد لنفسه يشرع وينتخب رؤساء جمهورية، وبقيت الحكومات تعمل وتتغير عند اللزوم، وظل الخطاب الطائفي تحت سقف محدد.

أما اليوم، فان الخطاب الطائفي والمذهبي صار بلا سقف. الشغور الرئاسي، والعجز عن انجاز قانون انتخاب، والتمديد لمجلس نيابي عاطل عن العمل، والابتلاء بحكومة لا تشتغل ولا يمكن تغييرها، تكاد تصبح القاعدة لا الاستثناء. الشيء الوحيد المزدهر وسط الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية هو الفساد. وما يواجه اللبنانية والعروبة هو أنواع من السلفيات والتيارات الدينية التي يمارس كل منها شكلاً من الارهاب.

لكن الحرب التي اندلعت عام ١٩٧٥ مستبعدة اليوم، بصرف النظر عن كون التحديات أكبر مما كانت عليه حتى في موضوع السلاح. ففي الماضي كانت المعادلة ان حرب لبنان واللاأمن فيه من الضرورات في أمن المنطقة وتعليمها ما تأكد انها كانت تعيشه وهو المفردات الطائفية والمذهبية، بحيث تكشف كل بلد عربي عن لبنان مستتر. والمعادلة حالياً هي حاجة حروب المنطقة واللاأمن في دولها الى أمن لبنان لخدمتها.

وما أكثر ما قيل عن القبرصة والبلقنة من ضمن ما سمّي مخطط كيسينجر، وبعض خيوطه حلّ القضية الفلسطينية على حساب لبنان. لكن من أهداف الوزير الأميركي السابق عدم حلّ القضية الفلسطينية وتدفيع لبنان الثمن. وهو حاول في مذكراته نفي التخطيط التآمري معترفاً بأمرين: أولهما ان قلبه لم يطاوعه لوضع الرئيس سليمان فرنجيه في صورة المخاطر المقبلة على لبنان. وثانيهما ان بلاده لم توقف عملية إضعاف المسيحيين في لبنان.

ولا أحد يعرف متى يصبح ١٣ نيسان مجرد ذكرى.