«الله معك يا حكيم»، يوم 21 نيسان سيبقى علامة فارقة في تاريخ لبنان وليس فقط في السيرة الذاتيّة للدكتور سمير جعجع، لم يكن ذاك المشهد هو اقتياد لـ «الحكيم» إلى سجن وزارة الدفاع فقط، ولا اقتياد القوات اللبنانية فقط إلى مرحلة تدميرها بكلّ الأشكال، في ذاك اليوم قام نظام المخابرات السوريّة وتابعه الأمني اللبناني باقتياد لبنان كلّه إلى السجن الكبير، بشكلٍ أدقّ اقتياد «المقاومة اللبنانيّة» إلى السجن وأقبية التعذيب عسى أن يتنكّر الرجل الذي قاد المقاومة اللبنانيّة لها لرغبة شديدة لدى النظام السوري في تكسير رأس لبنان ورأس مقاومته ورأس من كسر رأس اتفاق أريد له أن يُنهي وجود لبنان وتحويله إلى محافظة ملحقة بسوريا، وليس أكثر.
بالأمس أصغيتُ لكلمة حقّ شهدت بها النائب بهيّة الحريري إذ قالت:»لا أحد يزايد عليه بالثوابت الوطنية»، هذه شهادة حقّ وحقيقة، فالرّجل إن أدار ظهره لمستقبله الشخصيّ كطبيب على عتبة التخرّج من أجل مستقبل لبنان ولم يساوم لحظة عليه، بالتأكيد كان يدرك عندما تفرّغ لمعارك الجبهات تارة في الشمال وتارة في الجبل وتارة في بيروت، أنّه قد يسقط في أي لحظة من لحظات المعارك شهيد المقاومة اللبنانيّة، وضع عمره وشبابه على حافّة الموت، والذي يقترب إلى هذا الحدّ من التضحية بالرّوح لا يعجزه أن يُضحّي بحريّته من أجل مبادئه وقناعاته وفاءً والتزاماً، عُرض عليه مغادرة لبنان ببساطة شديدة رفض هذه العروض القاتلة لصدقه وشجاعته ومقاومته واختار السجن.
بالأمس أيضاً أصغيتُ للنائب بهيّة الحريري وهي تقول: «جعجع هو الوحيد الذي دخل السجن 11 عامًا ولم يغيّر خطابه»، هذه الجملة تختصر مسار السياسة والسياسيّين في لبنان، لقد غيّروا وبدّلوا وتلوّنوا، نقلّوا البندقيّة من كتفٍ إلى كتفٍ عشرات المرّات بحسب ما اقتضت مصالحهم الشخصيّة وأهواءهم ذلك، تمسّك الدكتور سمير جعجع بتطبيق اتفاق الطائف، يوم خاف الجميع من المطالبة بذلك، رفض إغراءات التوزير والوزارة، فدفّعوه ثمن ذلك أضعافاً مضاعفة، ومع هذا لم يقدّم أي تنازل من «كيس» لبنان، فضّل أن يدفع الثمن من «كيسه» وعمره وشبابه وشباب زوجته، كان باستطاعته أن يكون فخامة الرئيس منذ العام 1994، إلا أنّه اختار أن يكون «فخامة المعتقل».
عندما افتتح «حكيم لبنان» زنزانة معراب في 21 نيسان العام 2014 وجال فيها مع الإعلاميين اللبنانيين روى لهم أساليب «مقاومة» من نوع آخر، في معتقل وزارة الدفاع آنذاك كان التعذيب سيّد الموقف، ابتزّوا سمير جعجع بأصوات رفاقه في القوات وهم يصرخون تحت التعذيب وابتزوا شباب القوّات بالـ»الحكيم» المعتقل معهم، ثمّة موقف حكاه ترك فيّ أثراً بالغاً لأنّه علّمني شكلاً من أشكال المقاومة، روى سمير جعجع قائلاً: «كنت أسمع أصوات شباب القوات وهم يتعذبون بـ»البلانكو» لكنني كنت أحاول جاهداً طمأنتهم من خلال اغنية «ما تخافيش انا مش ناسيكي» [كلمات مجدي النجار، ألحان عمرو دياب، انتاج 1990]،
كلّما عاد نيسان وحلَّ الحادي والعشرين منه، أزهرت مقاومة سمير جعجع في قلوب كثير من اللبنانيين كرامة وحريّة، كان الرجلُ في زنزانته الصغيرة مثالاً حيّاً على أخلاقٍ وثوابت لم يتح لكثير من السياسيين أن يتحلّوا بها، «الحكيم» الرجّل الشجاع، المقاوم بكلّ ذرة من تكوينه مثالٌ حيّ على رجال يصنعون تاريخهم وأقدارهم، و»حكيم» كسمير جعجع مصدر فخر واعتزاز لكلّ لبناني قاوم في زمن الحرب كلّ الاحتلالات، وقاوم النظام الأمني وقرارات الاحتلال السوري في زمن الوصاية صمتاً وغناءً، أو سجوناً واعتقالاً وتعذيباً.
صباحك نيسان، «الله معك يا حكيم»…