كلّما عاد نيسان فتحَ لي نوافذ التفكّر بتجربة وشجاعة حكيم لبنان د سمير جعجع، وفي عظمة اختياره لستريدا جعجع للعبور بحزب «القوات» إلى الإستمرار تحت كلّ الظروف، والتفكّر حقيقة بـ»القوات اللبنانيّة» الحزب الصلب في تجربته وقضيته وقدرته على الاستمرار والبقاء عصيّاً على الاحتلال السوري والنظام الأمني التابع في لبنان، «القوات اللبنانية» وسمير وستريدا جعجع كسروا شوكة الاحتلال وأدواته شكّلوا ذروة صمود لبنان ومقاومته في عزّ شدّ قبضة الاحتلال على الخناق اللبناني، كلما عاد نيسان نتأكد أنّه ما بيصحّ إلا الصحيح، أين الاحتلال والنظاميْن الأمنيين وأدوات الاحتلال وتابعيه، كلّهم سقطوا و»القوات» واقفة صامدة في عين الزّمن اللبناني منارة للتاريخ.
لطالما رغبتُ في طرح سؤالٍ شخصيّ على الدكتور سمير جعجع، «لماذا اخترت ستريدا تحديداً لقيادة سفينة القوات وسط هذا الإعصار الهائج؟»، وبالرّغم من امتلاكي عشرات الإجابات على هذا السؤال، وأثق أنّه الأكثر معرفة بصلابة ستريدا وأنّها ستحفظه وتحفظ قضيته وتحفظ القوّات اللبنانيّة من الإلغاء، وكشفت سنوات اعتقال الحكيم حجم المواجهة التي خاضتها ستريدا وحيدة لتحفظ القوّات اللبنانيّة من مساعي تقسيمها تمهيداً لتدميرها على طريقة الاحتلال السوري واجهت وقد صدمتهم مواجهتها وصلابتها، كما صدمهم تمسّكها بالرّجل القابع في زنزانةٍ في الطابق الثالث تحت الأرض لسنوات وهي تراه من خلف زجاج عازلٍ لم يسمح لهما حتى أن تمدّ يدها لمصافحته، وصدمهم أنّها اختصرت ذاتها وكيانها حاضرها ومستقبلها من أجل قضيّة رَجُلِها سمير جعجع، ما الذي لمسته ستريدا في هذا الرجل حتى ارتضت أنّ تواجه الاحتلال السوري ونظامه المخابراتي من أجله؟!
لم تكد قدم «الحكيم» تخطو عتبة مقرّه في غدراس، حتى أضحت المرأة والزوجة الشّابة التي سلّمها شعلة القوات اللبنانيّة لتضيئها في ظلام لبنان الدّامس وحدها ووجهاً لوجه مع الشباب المنهارين الذين تلّقوا آخر أمر من قائدهم بالتزام الهدوء، كان على ستريدا جعجع أن تتخطّى لحظة هستيريا الحزن التي تضربها بعنف، للمناسبة، لم يسمح لهذه السيّدة حتّى أنَّ تختلي بمخاوفها وقلقها ومصيرها وآلاف علامات الاستفهام حول مصير زوجها، وهي ربّـما أدركت على الفوْر في تلك اللحظة أن قيادتها لمسيرة القوات اللبنانيّة بدأت على الفور، وكان عليها أن تحتوي هؤلاء الشباب المحيطين بها غير المصدّقين أنّهم استسلموا وتركوا قائدهم يذهب وحيداً باتجاه المجرم المعلوم والمصير المجهول.
أحد عشر عاماً من النضال الحيّ لامرأة وقفت وحيدة في عين الإعصار الذي دهم حياتها وصباها ويومها وليلها في لحظة لم نكن لنصدّق أنّها حقيقيّة، لأنّنا لم نفكّر لحظة بأنّ نظام الاحتلال السوري قد يبلغ هذا الحدّ من التوحّش بقتل المصلّين في كنيسة سيّدة النجاة ـ سابقاً في ذلك إرهاب «داعش» و»القاعدة» في قتل المصلين في الكنائس والمساجد أيضاً ـ فقط لإدخال سمير جعجع إلى السّجن وإذلاله وتكسير رأس اللبنانيّين من كبيرهم إلى صغيرهم!
نيسان يطبع وجدان لبنان بوجْهي سمير وستريدا، لم يقنعني يوماً أدب الترسّل ، ولست معجبة أبداً برسائل جبران خليل جبران إلى ماري هاسكل، التي لو تمّ ترجمتها إلى العربيّة فلن يعود جبران هو نفسه الذي كنّا نظنّه، لكنني أتمنّى لو يقدم الحكيم وستريدا على إعداد كتاب يجمع بين دفّتيْه رسائل جلجلة بلغت أحد عشر عاماً، ستكون هذه الرواية المخمليّة لهذا العشق الذي تجاوز مفازات وأهوال كبرى ونجا، ونجونا نحن ولبنان معه، هذه التجربة طاقة أمل في هذه اللحظة اللبنانيّة المخيفة التي تحدّثنا ليل نهار أنّنا ووطننا على عتبة الانهيار!