تأخذ الإنتخابات في العاقورة طابعاً أبعد من إستحقاق محلّي، إذ تشكّل مناسبة لتصالح العائلات مع بعضهم البعض، بعدما عرفت هذه البلدة تاريخاً طويلاً من الصدام وصل الى حدّ استعمال القوّة وسقوط ضحايا من جميع المكوّنات.
تُعتبر العاقورة من أهمّ البلدات المارونية الجبلية، فهي البلدة الأولى التي دخلتها المارونية على يد تلميذ مار مارون ابراهيم القورشي، وبما أنّ القاعدة الأساسية عند الموارنة «أنهم لا يتّفقون»، فإنّ العاقورة طبّقت هذه القاعدة بحذافيرها على رغم محاولة سعاة الخير تخفيف الإحتقان وحقن الدماء.
التقسيم العائلي
محاولاتُ المصالحة لم تتوقّف يوماً، لكنّ العصب العائلي في العاقورة قويّ جدّاً، حيث إنّ البعض ما زال يعتمد تصنيف مشايخ وفلّاحين. والجدير ذكره أنّ هذا التقسيم يختلف عن بقية المناطق، فعائلة الهاشم التي كانت تُصنّف «مشايخ» ليست عائلة مالكة للأراضي والآخرون يعملون عندها.
بل إنها كانت تجبي الضرائب لذلك أُطلق عليها هذا اللقب. علماً أنّ آل الهاشم كانوا فلّاحين مثل بقية العائلات. وعندما إندلعت ثورة طانيوس شاهين وحاول البعض نقلها الى العاقورة لم تجد أرضاً خصبة لانه لم يكن هناك مشايخ يتحكّمون بالفلّاحين مثل كسروان.
يتوزّع عدد الناخبين في العاقورة الذي يبلغ نحو 3900 ناخب على عائلات: الهاشم، نصرالله، بو يونس، ياغي، مرعب، كريدي، جرمانوس، غسطين، عاصي، الخوري حنا، حرب، خطّار، ساسين، سميا، صعب، ضاهر، عرب، عساف، عقل، قرقماز، قضيب، كامل، مالك، مسعود، مطر، مهنا، ميلان، نصر، وهبه. فيما يبلغ أعضاء المجلس البلدي 15 عضواً.
الأحزاب موجودة في البلدة، لكنّ الإنتماء العائلي في الإستحقاق البلدي يغلب باستمرار، خصوصاً بعد انتفاضة آل الهاشم الأخيرة نتيجة ما إعتبر حرمانهم رئاسة البلدية. لكن بعدما وصلت الأوضاع في العاقورة الى مستوى غير مقبول من التردّي وتعطيل المؤسسات المحلّية، إرتقى المعنيون القيام بحوار ضمّ جميع العائلات والأحزاب السياسية وعلى رأسها «القوّات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ».
الإتفاق
شهد الحوار جولات أخذ وردّ، لأنّ حجم الهوّة بين أبناء البلدة الواحدة كبير جدّاً، فخلافات السنوات الماضية المجبولة بالعائلية والإقطاعية لا تُمحَى بجلسة او جلستين، وبعد طول إنتظار خرج المعنيون بورقة إتفاق أو وثيقة ضمّت نحو 16 بنداً اساسياً ووزّعت على الأحزاب والمرجعيات المسيحيّة لمناقشتها والسير بها، لينبثق عنها مجلس بلدي ينفّذ الإتفاق.
وعلمت «الجمهوريّة» أنّ النقاشات شملت كلّ النقاط الخلافية بين العائلات، وقدّ تمّ إرضاء الجميع، فرفع «الفيتو» الذي كان سابقاً، حيث كان مسموحاً لهذه العائلة تولّي رئاسة البلدية بينما يُمنع على عائلة أخرى مثل آل الهاشم تولّي هذا المنصب، وإذا إستمرّت الأمور بهذا المنحى، تكون صفحة طويلة من الخلافات العائلية قد طويت وتساوى كلّ أبناء البلدة بغضّ النظر عن إنتماءاتهم العائلية.
أمّا النقطة الثانية الأساسية التي تضمّنتها الورقة فكانت الإتفاق على حلّ مسألة التعدّيات على المشاع، حيث قرّر الجميع أنّ المشاع هو بترول البلدة وأهمّ وارداتها وهو ملك الأهالي وتديره البلدية، لذلك فانّه يجب حزم البلدية المقبلة في مسألة التعدّيات عليه عبر دفع مشغّل العقار التابع للبلدية بدل إيجار، وإذا رفض ذلك، فيكون الحلّ بالذهاب الى المحاكم وإسترداد المشاع، وقدّ إتفق الجميع على أن لا تتهاون البلدية في هذه النقطة.
هذا بالنسبة الى مشكلة المشاع الداخلية، أما بالنسبة الى المشكلات مع البلدات المجاورة وخصوصاً من الجهة الشرقية مع اليمونة فإنها تُحلّ عبر تشكيل لجنة تزور المرجعيات الرسمية أو الذهاب الى الخيار القانوني عبر العودة الى المساحة التي تمّ على أساسها تحديد حدود المشاعات.
وفي هذا الإطار، يؤكد أحد فعاليات العاقورة رفيق أبي يونس لـ«الجمهورية» أنّ «ملفات العاقورة تتجاوز تعقيدات العمل البلدي، ونحن نسعى للوصول الى حلّ يُرضي الجميع، لذلك قمنا بالحوار الذي لم يستثنِ أحداً من العائلات والقوى السياسية، وبناءً على الإتفاق سنسعى الى تأليف مجلس بلدي متجانس وقادر على حلّ الموضوعات الخلافية، لأنّ تجارب المجالس السابقة كانت مريرة وعطّلت عمل البلدية».
ويلفت الى أنّ الحوار الذي ركّز على العلاقات بين العائلات لجهة عدم إستثناء أحد من المعادلة وحلّ المشكلات الخلافية يشكّل إنطلاقة جيّدة للعمل البلدي خصوصاً أنّ البلدية تشكّل الهيئة المحلّية الوحيدة التي يجتمع تحت سقفها جميع المكوّنات العاقورية».
الترشح
قدّ يكون هذا الإتفاق شمل معظم القوى المؤثرة في البلدة، لكنّ هناك فئة إعتبرت أنّ ما يُسمى مصالحة غير صحيح، لأنّ القوى المتحاورة حالياً كانت تشكّل المجلس البلدي الذي لم يعمل لإنماء المنطقة.
وهنا يبرز تيار له رأي آخر، حيث يؤكد المرشح لرئاسة البلدية الدكتور منصور وهبي لـ«ألجمهورية» أنّه «مرشّح تحت عنوان الإنماء، وهذه معركتنا»، لافتاً الى «أنني مرشح تجمّع العائلات العاقورية وبما أنني ملتزم بـ«التيار الوطني الحر» فإنّ لائحة الإنماء والتجدّد التي أرأسها تطمح لحصد دعم التيار والقوات والكتائب وبقية الفعاليات».
وعما إذا كان ترشّحه سيضرب المصالحة المزمع عقدها في العاقورة، أوضح أنّ «أبناء العاقورة متصالحون مع بعضهم البعض ولا أرى اي إنقسام والجميع يتكلّم مع بعضهم وإذا وجد سبعة أشخاص متخاصمين فهذا لا يعني أنّ البلدة متخاصمة».
ويؤكد أنه «غير معني بطرح تقاسم البلدية بين العائلات»، معتبراً أنّ «الجميع يستطيع الترشح وهذا حقّ قانوني، فالعاقورة ليست كونتونات لنتقاسم غلّتها بلدياً، وكلّ ما يُحكى عن حرمان عائلة من رئاسة البلدية غير صحيح»، لافتاً الى أنّ «همّنا الإنماء، والقوى التي تزعم أنها تتصالح اليوم هي مَن ركّبت البلديات السابقة وسبّبت هذا العجز في الإنماء ونحن اليوم رجال النهضة العاقورية الجديدة».
«القوات» و«التيار»
نتيجة الحساسية العائلية، ترك حزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» مجريات التفاوض لأبناء البلدة، لأنهما يعرفان طبيعتها العائلية الصعبة وسط توحّد آل الهاشم على مطلب واحد وهو عودتهم الى البلدية بقوّة، وفي هذا السياق، يؤكد مسؤول التيار في العاقورة سليم الهاشم أنّ «الاتجاه هو لتغليب الوفاق العائلي وليس للمعارك السياسية، فأنا أفاوض على اساس المصالحة لأنّ العاقورة عانت كثيراً من الخلافات العائلية»، لافتاً الى أنّ «80 في المئة من آل الهاشم مع التفاوض وضدّ كلّ الإنقسام، وقد ذهبت عائلتنا موحَّدة الى المصالحة وهي تضمّ كلّ الاتجاهات السياسية من تيار وقوات وموالين للنائب سعيد وقد أبعدنا الإنقسام السياسي عن الساحة العاقورية».
ويشير الى أنه «في الثلاث دورات الماضية كان يُمنع على شخص من آل الهاشم أن يتولّى رئاسة البلدية ولذلك عملنا على إزالة هذه النقطة»، موضحاً أنّ «التيار هو المصالحة ولا يريد الإنقسامات في البلدة، وكذلك فنحن لا ندعم لائحة وهبي وإذا أراد أن يستمرّ بالمعركة فهذا شأنه، لكن حتى الآن التيار لم يدخل بالأسماء»، معتبراً أنّ «العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع والقيادات على اطّلاعٍ على الوثيقة لكنّ المهم أن تسلك طريقها نحو التطبيق».
لا يختلف موقف «القوات» عن «التيار»، إذ يؤكد منسّق «القوات» في العاقورة بطرس الهاشم أنّ «الإنتخابات البلدية في البلدة هي عائلية، وتأتي في إطار المصالحة التي يسعى الجميع لإتمامها بين المكوّنات»، موضحاً أنّ «القوات» تدعمها والدكتور جعجع على علم بمجرياتها وهذا موقف يصبّ في مصلحة البلدة، كذلك فإنّ التيار والكتائب والنائب السابق فارس سعيد يؤيّدونها، فيما يخرج البعض عنها».
ستكشف الأيام المقبلة ما كان يدور من نقاشات في الأشهر الماضية، لكن وعلى رغم إتمام المصالحة، فإنّ أهالي البلدة يريدون الإنماء لكي يصمدوا في أرضهم.