Site icon IMLebanon

عدوان أميركي ـ عربي على «داعش»!

 

… ثم أُبلغت وسائلُ إعلام إيران في لبنان أن ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية من غارات ضد داعش يجب أن يُسمى «عدواناً» وهكذا صار! عُمّم ذلك. ووصل. وبدأت «التباشير» تظهر على الشاشات «المنارية» و»الميادينية» وفي الصحف «الحرة» العريقة منها والمستعرقة. 

انه لعدوان غاشم تشنه قوى التحالف وأميركا وعدد من الدول العربية على سوريا «الأسد» سابقاً، وسوريا سليماني حالياً، وربما سوريا الجعفري بعدئذ، ثم سوريا خامنئي لاحقاً. سَمّوا ذلك «فجأة» «عدواناً«، بعد لَأّيٍ طويل ومساحات من اللعثمة والتأتأة، والمفاوضات وتقديم الطلبات لأميركا برغبة إيران ونظامها السوري في الاشتراك في التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق وسوريا. طلبات سرية ومعلنة. ذلك ان ايران «الديموقراطية» التي تحترم حقوق الانسان في بلادها وفي لبنان، (مثلاً) والحريصة على عدم انتهاك أي سيادة لأي دولة (تحتل حتى الآن ثلاث جزر عربية هي طمب الصغرى وطمب الكبرى وجزيرة أبو موسى)، من الطبيعي أن تشارك في هذه المهمة «المقدسة» لمحاربة الإرهاب. 

شأنها في ذلك شأن النظام السوري صاحب مآثر الكيماوي والبراميل المتفجرة، والكلور وتدمير البلاد، وتهجير أكثر من سبعة ملايين سوري من قراهم… وأرضهم وبلادهم! فَمَنْ أجدر بمهمة محاربة الإرهاب أكثر من أكبر دولتي إرهاب في العالم: سوريا وإيران، لا يسابقهما في هذا المضمار سوى اسرائيل وروسيا بوتين! إذاً كلمة السر، أو المصطلح المناسب للحملة الأميركية والتحالف الدولي على داعش في سوريا والعراق هو «العدوان». فإلى العمل! يا صحافة الممانعة! براو.

وقد يتفرع هذا المصطلح إلى «مفاتيح» إعلامية لا تترك «حقيقة» إلا وتفتحها. فإذا كان «داعش» إرهابياً، فلم لا يكون «العدوان» على داعش «ارهابياً» أيضاً؟ إرهاب ينطحُ إرهاباً. شراً يقاتل شراً. أو يتمدد المصطلح فيأخذ منحى دينياً: الولايات المتحدة لا تحارب داعش بل الإسلام! فيا «مسلمي» العالم اتحدوا و«قاوموا» و«مانِعوا» الحملات الصليبية. كل ذلك، راح يتفتق بهدوء وعلى مراحل. في البداية: تقديم طلبات مشاركة في «العدوان» ثم رفض أميركا مشاركة إيران والنظام السوري. ثم عواصف صغيرة في فناجين. ثم أعاصير إعلامية وربما غداً «حربية». فقد أُبعدتْ إيران عن شرف مشاركة أميركا في محاربة الإرهاب. إيران «الدولة العظمى» الراسمة هلالاً صهيونياً من طهران إلى جنوب لبنان، أتهمّش؟!

دولة عظمى اسمها أميركا تهمش دولة «عَظمَائية» اسمها إيران؟! لا! دولة منفوخة في بعض البلدان بقوة السلاح والمال تُرمى جانباً هكذا وهي اكبر من الكرة الأرضية وسمائها ومحيطاتها وجنّاتها: فالبادئ أظلم! لكن ماذا لو هزم التحالف «داعش» وفكك «الدولة الإسلامية» أو الكانتونات المكبرة (عندنا في لبنان أيضاً دولة حزب الله دام ظلها!) ؟ أنخرج من المولد بلا حمص ولا فول ولا فستق إيراني ولا فستق حلبي؟! لا شيء! وماذا يعني «لا شيء» هنا المجاز! هل من جواب؟ هل يُستحسن الانتظار مع تصعيد وتائر الاعلام الإيرانية في لبنان وسواه وعندهم من الحناجر والزلاعيم الأجيرة ما يفيض!

لكن في انتظار ماذا؟ أسئلة موصوفة ومرصوفة. فداعش الذي كان «مُعادل» النظام السوري، هو ضرورة حيوية له. يرفعه عنواناً للإرهاب ويُظهر للعالم انه يحارب الإرهاب الديني، اضافة إلى حماية الأقليات المسيحية والكردية والدرزية. أهذا هو بيت القصيد؟! نزع ورقة داعش من يد ما تبقى من النظام السوري وقوات سليماني وزغاليله من حزب الله، كنزع ورقة فلسطين ولبنان من يد حافظ الأسد وولده بشار. فاذا كان الإرهاب صناعة (كالطائفية والمذهبية) فلا بد من إيجاد صناعة رديفة «مناسبة» هي محاربة الإرهاب! وأحياناً كثيرة يكون صانعُ الإرهاب محاربه. مثل فرانكشتين. لكن أحياناً كثيرة أيضاً يفترس الإرهاب مفبركه. فورقة «الإرهاب» يجب أن تبقى مع «مبتكريه» الأوائل! 

هم يبيعونه وهم يكافحونه. وهم يتاجرون به. مثل تجارة المخدرات والكبتاغون والأدوية المزورة والهيرويين! ومن أجدر من نظامين ارهابيين خبيرين بصناعة الإرهاب بمكافحة ما صنعوه وفبركوه ووضبوه ووزعوه وروّجوه! فداعش من مبتكرات البعث السوري وإيران (تذكروا الإرهابي شاكر العبسي والخطوط الحمر التي وضعها حزب محتشمي في لبنان للجيش اللبناني للقضاء على مؤامراته). وإذا كان الدِّين نفسه، عند بعضهم، يصبح سلعة تجارية أو سياسية، فلماذا لا يكون الإرهاب الديني على هذه الشاكلة؟ إيران والنظام السوري أُخرجا من «شراكة» التحالف الدولي لمحاربة داعش ففقدا (ربما) خيرات الشراكة، وثمارها وباتت اللعبة خارج متناولهما! أو الأحرى خارج بضاعتهما المعروضة. فقد فقدت التبادلية التي كانت قائمة بين إيران وأميركا في اسقاط صدام حسين توازنها اليوم. هذا هو المخيف! فالتحالف الإيراني الأميركي لاسقاط صدام حسين، اعطى ثماراً كثيرة لدولة الملالي: أخذ العراق رهينة، والهيمنة عليه وتقسيمه تقسيماً مذهبياً! كُوفئت إيران. بمساندتها الولايات المتحدة باعطائها أهم البلدان العربية وها هي تنتظر اليوم ومن خلال مشاركتها قوى التحالف في محاربة داعش بالحصول على مكافآت جديدة، وهدايا «طازجة» ليس أقلها سوريا كلها! وعلى أن يتم ذلك هذه المرة (وكما تمّ في العراق سابقاً)، بطريقة «الشرعية» الدولية، أو على الأقل بطريقة انقاذ نظام البعث، لا ليحكم (وهو بات أعجز من أن يحكم دمشق) بل لتحكم إيران من خلاله. ربما أكثر من وصاية. فإيران لا تحب كلمة وصاية فهي تحط من قدر طموحاتها (الصهيونية) في المنطقة، أي تصبح سوريا مجازاً وقولاً وواقعاً ولاية من ولايات إيران كما يحلمون بأن يكون لبنان واليمن والعراق! يعني احتلالاً مقنعاً. تماماً كما كان وضع النظام السوري في لبنان على امتداد أربعة عقود: وصاية بسحنة احتلال، واحتلالاً بقناع وصاية. كانت إيران تريد عبر مشاركتها في التحالف استغلاله لضرب داعش ولكن أيضاً لتهميش الجيش الحر، بحيث تطلع من الحرب أقوى الأطراف الموجودة. فالحرب على داعش وحدها، وبلا ثمن، لا جدوى منها. فليبق داعش معادلاً لإيران وتبريراً لوجودها في سوريا والعراق. وهذا أفضل من ضرب داعش، وتعويم الجيش الحر، والأطراف المعارضة في العراق! أهذا ما تريده إيران؟ وأكثر: نسيان كل صفقة سياسية بين النظام والمعارضة. وإحراق اتفاق جني، لتكون إيران حاملة كل الأوراق وتصبح هي «المفاوض» المجازي في كل حل محتمل. ويُصبح كل حلّ في يدها. فعندما يُهزم داعش من دون مشاركتها، ومن دون الاعتراف بشرعية «النظام» السوري من قبل قوى التحالف، فيعني أن النظام السوري بكادراته الحالية، (وبخلفياته الإيرانية) بات خارج اللعبة. ولا يمنع في المستقبل من ان تكمل الولايات المتحدة والتحالف حربهما على النظام نفسه، على الأقل من خلال انشاء منطقة حظر جوي فوق مناطق الغارات (كما طالب قبل عدة أيام رئيس الائتلاف السوري المعارض هادي البحرة). والهواجس الإيرانية ووساوسها، ليست بعيدة أيضاَ عن أفكار المعارضة السورية وحساباتها. فهي تعلم أن ضرب «داعش» وابقاء الجيش الحر ضعيفاً، يقويان النظام السوري وتستمر الحروب والمعارك من دون حسم. وهنا السؤال: أهي حرب الحسم أم حرب الحسم واللاحسم؟ ولا نظن أن إيران تريد «حسماً» من أي نوع لا يصب في حلمها «الإمبراطوري». فكما أن داعش ضرورة «وظيفية» لها، فابقاء سوريا في دائرة القلاقل ضرورة إضافية أيضاً. (تماماً إنه العقل الصهيوني بامتياز). لكن من يحسم ومن لا يحسم؟ ليس مهماً التمني أو «السعي الحميد» (وسعي إيران حميد حميد كطهارة ملاليها!)، لكن من يحسم ومن لا يحسم؟ أميركا تريد ذلك؟ روسيا؟ أوروبا؟ لا نظن ذلك مهما «صفت النوايا»! فحالة الحسم واللاحسم قد تبقى طويلاً. كما هي حالة الحرب واللاحرب مع اسرائيل كما تفهمها إيران والنظام وسوريا وتابعهما حزب الله! وكما استمرت الأمور في لبنان أيام الاحتلالين الاسرائيلي والسوري وكذلك في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين… وحالياً في اليمن مع آخر منتوجات إيران في السوق الإرهابية: أي الحوثيين! المراوحة الدموية. هذا ما تريده إيران (سياسية اسرائيل التقليدية). يبقى لبنان هكذا. على حافة الحرب يوماً، وعلى حافة الهدوء يوماً آخر، بلا رئيس حكومة ولا وزارة آناً وبرئيس حكومة آنا أخر: مهددين ومستهدفين باسقاطهما إما بالقمصان السود، أو بالانسحاب «الميثاقي» من الوزارة! أحياناً برئيس «مُشع» كأميل لحود، وأخرى برئيس يضعونه في عين الخطر والتهديد: كميشال سليمان. حتى حياة خصوم الحزب في لبنان وسواه: إما دائرة القتل والاغتيال والتهديد أو في النفي! أو السجن! أو التخوين. وهذا يدل على أن الحياة يجب أن تكون دائماً على مزالق الخطر. وهكذا دواليك: الوضع الاقتصادي، والكهرباء والمياه؛ وكل ذلك، أي هذه المراوحة بين الوجود واللاوجود، يريدون بها تفكيك كل شيء في لبنان. لا حسم في شيء. واذا كان ثمة اتفاق ما كاتفاق طائف فليُضرب في صميمه. ومثله الدستور. وصولاً إلى الكيان. انها اللعبة ذاتها في العراق تلعبها دولة الملالي. وفي اليمن. وفي سوريا: استنقاع الوضع لاستغلال خرابه واختيار اللحظة المناسبة للانقضاض على كل شيء. (راجعوا كيفية صعود هتلر وموسوليني في المانيا وايطاليا!) . لكن يبدو أن هذه اللحظة الحاسمة. أتت ولم تأت. أو لم تأت وأتت. أو لم تأت أبداً. أو آتية باستمرار. لكن في الأحوال وكما في مسرح اللامعقول ، يبقى حزب محتشمي في لبنان نافذة الانتظار. انتظار غودر الذي جاء عبره الوحش بدلاً من «المخلص». أو «انتظار مجيء البرابرة» الذين جاؤوا عبر الحزب أيضاً. وعلى هذا الأساس كانت ايران بهيمنتها على العراق وعلى جنوبي لبنان واليوم على سوريا، تنتظر اللحظة، لتمتطيها وها هي اطلت مع «العدوان» الأميركي (كما يسمونه)، لكن من سوء حظها ان الأماكن كلها كانت محجوزة. لا مكان لإيران، أو للنظام السوري. انطلق القطار من دونهما. وبدأت الحملات الجوية تضرب معاقل داعش. وإيران بين الانتظار واللاإنتظار. السعودية البحرين الإمارات الأردن، قطر، في عداد «المحاربين»! يا للهول! وتسحب ايران السنتها كالأفاعي من ادغال عقولها المريضة: العرب يشاركون بدحر الارهاب؟ هذا كثير عليها! طيب ان يشكل الأميركان (وحتى اسرائيل) وأوروبا قوى التحالف وحدهم، فأمر مقبول . عال! اما اقحام «العرب» في قضية عربية! وفي حروب عربية! فهنا الخيانة! هنا «التخلي» ، هنا «العزلة»! فإيران عزلت العرب عن العراق وها هي تحاول عزلهم عن لبنان وسوريا واليمن… أف! اخرجنا العرب من الباب فعادوا إلى بلاد العرب من النوافذ المفتوحة. اخرجناهم بارهابنا الفارسي، وها هم يعودون عبر مكافحة الإرهاب الداعشي. طيب. فالعرب كالنظام السوري مقبولون. أما العرب «السُّنة» فهذا تحد للتاريخ، وللمنطق وللطبيعة. حاولنا إحراق ورقة العروبة… وها هي تطلع من الأيدي. فيا مرتزقتنا من صحافيين واعلاميين، دكوا «آمال» كل عربي في بلاد العرب. قولوا إن الأميركيين يريدون نفط العرب اصلاً، لا محاربة داعش. النفط. النفط. لكن النفط يعني أموراً أخرى، تقول وساوس إيران: وماذا لو قادت هذه الحروب إلى هزيمة داعش، وفتحت الأبواب لخمائر الثورات العربية الأولى: أي خمائر الانطلاق في درعا (قبل أن يحولها النظام وإيران إلى حرب مذهبية مسلحة!). خمائر الربيع العربي ما زالت موجودة ولو تحت حطام «دواعش» بني فارس. عاد الحديث عن الجيش الحر، والائتلاف السوري… أو ليسوا هم «خمائر الربيع السوري؟» : العروبيون ، الليبراليون، المعتدلون، طلاب الحرية والسيادة والعدالة ، أصحاب شعارات «واحد، واحد، واحد الشعب السوري واحد». هذا هو المخيف بالنسبة إلى إيران. أن عزلها عن المشاركة يفوت عليها تخريب هذه العودة، ويؤثر في مسألة مفاوضات النووي مع الولايات المتحدة الأميركية. آخر تصريحات المسؤولين الإيرانيين قبل أيام «ان طهران مستعدة للعمل مع واشنطن. وحلفائها لمواجهة داعش في مقابل مزيد من المرونة في شأن برنامجها النووي»! وألاّ: فالحرب على محاربي الارهاب. على مكافحي ظاهرة داعش. فالطموح الأمبراطوري لدولة عظمى» كايران لا يكتمل إلا بالسلاح النووي. هذه ضمن الحقائق الكبرى. لكن إذا تغيرت ظروف المنطقة بعد ضرب داعش، وخصوصاً في العراق، (مربض خيولنا وسليماننا!). وسوريا ، فهذا يعني ان كل هذه الحسابات «الموصوفة» يجب إعادة النظر فيها. «تجديد» لغة الاعلام عبر «مرتزقتنا في الصحافة» وتجديد الخطاب المذهبي بأقوى وتيرة وتفعيل «استراتيجية» الاغتيال. وتعزيز «منطق» التخريب وتكريس مخططات « ضرب الدول العربية وكياناتها» واجهاض ثوراتها وتعمية شبابها! 

إن ايران تعيش لحظة الالتباس حالياً. على شفير أن تحسم ولا تحسم. ان تنتظر وان لا تنتظر. ان تُمالئ ولا تُمالئ. ان تناور ولا تُناور. ان تخرب قليلاً أو كثيراً… 

ايران في منطقة الالتباس العمومي…. ومشاريعها الهلالية مهددة. وها هم العرب يمتطون مركبات ضرب داعش، تاركين إيران تُطبل وتُطبل… في هذه المناسبة التاريخية!

فيا صحافيي إيران في لبنان وخارجه طبلوا! طبلوا!…. لكن القافلة ستكمل مسيرتها!