IMLebanon

الاستياء الفرنسي كشف مدى العزلة العربية والأوروبية المخيفة للبنان

 

 

انكشفت الطبقة السياسية أمام الرأي العام الفرنسي والأوروبي على حقيقتها، وهي التي لفظها الشعب اللبناني منذ سنوات طويلة، رافضاً تحكمها به وبمقدرات البلد على مدى عقود، مستقوية بالسلاح تارة وبنتائج الانتخابات النيابية المعلبة تارة أخرى . ومع سقوط مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي حاول إبقاءها على الطاولة، لا يبدو أن لبنان سيرى حكومة في المدى المنظور.

 

لا بل على العكس من ذلك فإن كل المؤشرات تستبعد ولادة أي حكومة في المرحلة المقبلة، إن لم يكن حتى آخر العام أو مطلع العام المقبل. بعدما بدا بوضوح أن هناك أطرافاً داخلية غير مستعجلة على تشكيل حكومة، طالما أنها قد تكون ولغايات خارجية مستفيدة من هذا الواقع الذي يفرض نفسه على الساحة الداخلية.

 

ورغم محاولة الرئيس ماكرون إعطاء دفع جديد لمبادرته، إلا أن القوى التي تعمدت عرقلتها واختلاق الذرائع لإسقاطها، لا يمكن أن تبدي استعدادها للتجاوب معها مجدداً، وهو ما يدركه الفرنسيون جيداً. ولهذا فإن الرئيس الفرنسي لم يوفر أحداً من انتقاداته، مستخدماً عبارات قاسية للمرة الأولى عندما وصف القادة السياسيين بـ «الخونة». وهذا مؤشر بالغ الخطورة على مدى استياء الرجل من هذه الطبقة السياسية التي تتحمل وزر المآسي التي حلت بلبنان وأوصلته إلى ما وصل إليه من كوارث ونكبات لا عد لها ولا حصر.

 

وتسود موجة تشاؤم في الأوساط الفرنسية من مستقبل الأوضاع في لبنان، بعدما تبين لباريس أن القادة اللبنانيين غير جادين في إنقاذ البلد، لا بل أكثر من ذلك فإن يتشاركون في عملية إغراقه للقضاء على آخر ما تبقى من مقومات صموده، وهو ما يدركه الرئيس ماكرون جيداً. ولذلك لا يبدو أن هناك نصيباً لنجاح المبادرة الفرنسية التي تحاول باريس إعادة فرضها على المسؤولين اللبنانين. لكن يبدو جلياً أن «الثنائي الشيعي» الذي رفضها لا يمكن أن يقبل بها، وهو مستعد لإعادة رفضها مجدداً، بعد الاتهامات التي وجهت إليه من جانب الرئيس ماكرون الذي يعرف المعرقلين، وقد سماهم بالاسم بعد الفشل الذي واجهته مبادرته.

 

وإذا كان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله سيتحدث، اليوم، وسيرد على مواقف الرئيس الفرنسي، إلى أن تطورات الملف الحكومي السلبية، قد تدفع في المرحلة باريس إلى وضع خيار العقوبات الذي تحدث عنه الرئيس ماكرون على الطاولة، إذا لمس عدم جدية المسؤولين اللبنانيين في التعامل المطلوب مع مبادرته التي تمثل خشبة الخلاص الوحيدة للبنان من الواقع المزري الذي يعيشه. باعتبار أنه لم يعد هناك من مهرب أمام اللجوء إلى هذه العقوبات، لكي يتحمل الذين أوصلوا لبنان إلى هذا الدرك مسؤولياتهم، ويصار إلى تعريتهم أمام الرأي العام اللبناني والعالمي. في وقت ستقفل بالتأكيد أمام لبنان كل أبواب صناديق المساعدات العربية والدولية، بعدما كشف الاستياء الفرنسي من المسؤولين اللبنانيين، مدى العزلة المخيفة التي يواجهها هؤلاء على المستوى العربي والأوروبي. والأخطر أن العديد من الدول العربية التي كانت ترتبط بصداقات معروفة مع عدد من الشخصيات السياسية، لم تعد حريصة على التمسك بهذه الصداقات، الأمر الذي فاقم من عزلة لبنان على نحو غير مسبوق في تاريخه الحديث.

 

وطالما أنه لم تتغير سياسة المسؤولين باتجاه خطوات أكثر واقعية تضع مصلحة لبنان قبل أي اعتبار، فإن الصورة ستزداد قتامة ويشتد الحصار على البلد، ولن يكون أحد إلى جانبه، بعدما نفض الفرنسيون، أصدقاؤه التاريخيون يدهم منه وتركوه لقدره، بعدما ضاق الرئيس ماكرون ذرعاً بالمعاملة التي لقيها من المسؤولين، إلى حد أنه لم يتردد بوصفهم ب»الخونة» .. يا للعار.